ولكن الباشا لا يستطيع العيش من غير أخرى، ويتعرف في هذه الأيام على المستشار ممدوح بك عزت، وهو رجل اقترب من المعاش، وذهب إلى معالي الوزير يرجوه أن يسعى له أن ينال رتبة الباشوية، وهو في طريقه إلى مقاهي المعاش.
وممدوح بك عزت رجل تزوج وهو كبير السن من سيدة مات عنها زوجها، هي السيدة نبوية الباجوري، وقد أنجبت لزوجها فتاة كان عمرها يوم ذهب والدها إلى وزير العدل يدور حول العشرين.
في غمرة التقرب الذي يسعى به ممدوح بك إلى معالي الوزير دعاه إلى الغداء في منزله، وهناك رأى الباشا لأول مرة بيت ممدوح بك، ورأى أيضا ابنة ممدوح بك. أما البيت فكسير متواضع يدل على أن سعادة المستشار شريف وفقير، وأما البنت فتدل على أن سعادة المستشار أحسن اختيار زوجته، وأن الله جعل الابنة تشبه الأجمل في والديها.
راقت سهير في عين الباشا، ولكن هذه فتاة في حضن أبيها، فلا سبيل إليها أو على الأقل الطريق الذي تعود أن يسلكه لا يصلح معها، مع هذه الفتاة ليس هناك إلا طريق واحدة. - سعادة الباشا، ابنتك سهير غاية في الجمال. - لا تنس يا معالي الباشا أن صدور الرتبة منك يوشك أن يكون براءة للباشوية، فأنت الوزير المختص باقتراح الرتب للمستشارين. - سعادة الباشا أنا أعرف اختصاصاتي كل المعرفة. - إذن؟ - أظن جلالة الملك لا يرضى أن يكون أبو زوجتي «بك». - ماذا؟ ماذا قلت معاليك؟ - أنا يا أخي أخطب ابنتك لنفسي. - هذا شرف يا معالي الباشا. - ولي شرط. - أنا تحت أمر معاليك. - أن يظل الزواج سرا حتى أجد الفرصة مناسبة لإعلانه.
وتم الزواج، ونال ممدوح باشا رتبة الباشوية.
لم يكن عجيبا أن يقبل ممدوح بك أو باشا خطبة ابنته، فقد كانت المناصب والرتب ذات شأن أسطوري في ذلك الزمان، ولكن العجيب أن شخصا في ذكاء زكريا باشا يخطب فتاة تصغر ابنه بعشر سنوات. من المؤكد أنه ما كان ينصح أي إنسان ينتصحه أن يفعل ما فعل، ولكن الإنسان دائما يظن أنه شيء آخر غير الناس، وأن ما لا يجدر بغيره يجدر به؛ فزكريا مثلا كان يظن أن شبابه دائم، وأن الجاذبية التي يتمتع بها تستطيع أن تعوض سهير عن فتوة العشرين، وأن اللقب والمكانة أهم بكثير من تقارب السن.
ولم يكن الأب يسأل ابنته في شأن زواجها؛ ولهذا لم تحاول سهير أن تمتنع، فما دام أبوها قد اختار لها هذا فلا ترد إرادته، ولكنها في شبابها المتفتح كانت تعرف الطريق الذي فرشه لها أبوها برتبة الباشوية التي نالها.
وظل الزواج سرا.
شخص واحد كان الباشا يصحبه إلى بيت زوجته الجديدة، هو راشد بك برهان، فقد عرف فيه الباشا قدرته الفائقة على سكب حياة كاملة في لحظات متعة. وقد كانت السرية التي تحيط بالزواج تجعل الصلة بينه وبين زوجته يحيط بها جو المغامرات الذي كان يحيط بصلاته مع رفيقاته السابقات. وقد كان الزواج يحصن العلاقة إذا هي افتضحت من أن تلوك الألسنة اسمه كما لاكتها في حادثة الحذاء، وفي أحداث أخرى مشابهة.
أعجب راشد بزوجة الباشا وأعجبت به، رأت فيه الشخص الذي تستطيع معه أن تمارس شبابها وتحس بجمالها الآسر مقدرا عند خبير نساء. وهو وإن كان يكبرها في السن، إلا أن الفارق أقل من ذلك الفارق الذي يفصلها عن زوجها.
अज्ञात पृष्ठ