ومرتحلٌ أَزْمَلْتُ دَمْعِيَ خلفَه ... ليُرْجِعَهُ فاستَنَّ في إثره قصدا
وقلتُ لقلبي طِرْ إليه بِرُقْعَتِي ... فكان حَمَامًا في المسير بها هُدَّا
سرقتُ صُوَاع العزم يوم فراقه ... فلجَّ ولم يرقب سُوَاعًا، ولا وُدَّا
وكحلت جفني من غبار طريقه ... فأعقبها دمعًا وأورثها سُهْدا
لِيَ الله كَمْ أَهْدِي بِنَجْدٍ وحاجر ... وأكْنِي بدَعْدٍ في غرامي أو سُعْدَى
وما هو إلا الشوقُ ثار كمينُه ... فأذهلَ نفسًا لم تُبِنْ عنده قصدا
وما بِيَ إلا أن سَرَى الركبُ مَوْهِنًا ... وأعمل في رملِ الحمى النصَّ والوَخْدَا
وجاشت جنودُ الصبر والبَيْن والأسى ... لَدَيَّ فكان الصبرُ أضعَفَها جُندا
ورُمْتُ نهوضًا واعتزمت مودّعًا ... فَصَدَّنِي المقدارُ عن وِجْهتي صَدَّا
رقيقٌ بدت للمشترين عُيُوبُه ... ولم تلتفت دعواه فاستوجَبَ الرَّدَّا
تخلف مني ركب طيبة عانيًا ... أما آن للعاني المُعَنَّي بأن يُفْدَى
مخلَّفُ سِرْبٍ قد أُصيب جناحُه ... وطِرْنَ فلم يسطِع مَرَاحًا ولا مَغْدَا
نشدتك يا ركبَ الحجاز تضاءلت ... لك الأرضُ مهما استعرض السَّهْبُ وامتدا
وَجَمَّ لك المرعى وأذعنت الصُّوَى ... ولم تفتقد ظلًاّ ظليلًا ولا وِردا
إذا أنت شافهتَ الديار بطِيبةٍ ... وجِئْتَ بها القَبْرَ المُقَدَّسَ واللَّحْدَا
وآنسْتَ نورًا من جَنَابِ محمدٍ ... يداوي القلوب الغُلْفَ والأَعْيُنَ الرُّمْدَا
فَنُبْ عن بعيد الدار في ذلك الحِمَى ... وأّذرِ بِهِ دَمْعًا وَعفِّرْ به خَدَّا
وقلْ يا رسولَ اللهِ عبدٌ تَقَاصَرَتْ ... خُطَاهُ وأَضْحَى من أَحِبّتِهِ فَرْدا
ولم يستطع من بعدِ ما بَعُدَ المَدَى ... سوى لَوعةٍ تعتاد أو مدحة تُهْدَى
تَدَارَكْهُ يا غَوْثَ العِبَادْ برحمةٍ ... فجودُك ما أجدى وكفُك ما أَندى
أجار بك الله العباد من الرَّدَى ... وبوَّأَهم ظِلًاّ من الأمن مُمْتدَّا
حَمَى دِينُكَ الدنيا وأقطعك الرضا ... وتَوَّجَكَ العَلْيَا وألبَسَكَ الحمدا
وطَهَّر منك القلبَ لما استخصه ... فَجَلَّلَهُ نورًا وأَوْسَعَهُ رُشْدَا
دَعاه فما ولَّى، هَدَاهُ فَمَا غَوَى ... سقاه فما يَظْمَا، جَلاَهُ فما يَصْدَا
تَقَدَّمْتَ مُخْتَارًا تأخَّرْتَ مَبْعَثًا ... فقد شملت علياؤك القَبْلَ والبَعْدَا
وعلةُ هذا الكَوْنِ أنت، وكلما ... أعاد فأنت القصدُ فيه وما أبدا
وهل هو إلا مظهرٌ أنت سرُّه ... ليمتاز في الخلق المكِبُّ من الأهْدَى
ففي عالمِ الأسرار ذاتُك تَجتلِي ... ملامحَ نور لاح للطور فانهدَّا
وفي عالَم الحِسِّ اغتديْتَ مُبَوَّأً ... لتُشفى من استشفى وتَهدي من استهدى
فما كنت لولا أن نبتَّ هدايةً ... من الله مثل الخلق رسمًا ولا حدَّا
فماذا عسى يثني عليك مُقصِّرٌ ... ولم يألُ فيك الوحيُ مدحًا ولا حمدا
بماذا عسى يجزيك هاوٍ على شَفىً ... من النار قد أسكنته بعدها الخلدا
عليك صلاةُ الله يا خَيْرَ مُرْسَلٍ ... وأكرمَ هادٍ أوضح الحقَّ والرُّشدا
عليك صلاةُ الله يا خيرَ راحمٍ ... وأَشفَقَ من يَثني على رأفةٍ كبدا
عليك صلاةُ الله يا كاشفَ العمَى ... وَمُذْهِبَ ليلِ الشكِ وهو قد ارْبَدَّا
إلى كم أُراني في البِطالة كانعا ... وعمريَ قد وَلَّى، وَوزْريَ قد عُدَّا
تَقَضَّى زماني في لعلّ وفي عسى ... فلا عزمةٌ ولا لوعة تهْدَا
حسامُ جبان كلما شِيمَ نَصْلُه ... تراجع بعد العزم والتزم الغِمدا
ألا ليت شعري هل أُراني ناهدًا ... أقودُ القِلاَصَ البُدْنَ والضَّامرَ النَّهْدا
رضيع لبانِ الصدقِ فوقَ شِمِلَّةٍ ... مُضَمَّرةٍ وُسِّدْتُ من كورها مهدا
فَتُهْدَى بأشواقي السُّراةُ إذَا سَرَتْ ... وتُحْدَى بأشعاري الركاب إذا تُحْدَى
إلى أن أَحُطَّ الرحلَ في تُرِبك الذي ... تضوَّع نَدَّا ما رأيتُ له نِدَّا
1 / 48