فلا جَحْدُ ما خَوَّلَتني مِنْ سَجِيَّتي ... ولا كُفْرُ نُعْمَاكَ العَميمةِ من شأني
ومَهْمَا تَعَجَّلْتَ الحقوقَ لأهلِها ... فإنَّكَ مولايَ الحَقيقُ وَسُلْطَاني
ورُكْني الذي لمَّا نَبَا بِيَ مَنْزِلِي ... أجابَ نِدائِيَ بالقَبُولِ وآوانِي
وعالَجَ أيَّامي وكانَتْ مريضَةً ... بِحِكْمَةِ مَنْ لم يَنتَظِرْ يوم بُحْرانِ
فَأَمَّنَني الدَّهْرَ الذي قد أخافَني ... وَجَدَّدَني السَّعْدَ الذي كان أبْلاني
وَخَوَّلَني الفَضْلَ الذي هوَ أهْلُهُ ... وشيكًا وأعطاني فأَفْعَمَ أعْطَانِي
تَخَوَّنَنِي صَرْفُ الحوادث فانثَنَي ... يُقَبِّلُ أرداني وَمِنْ بَعْدُ أرْدَاني
وأَزْعَجَني عَنْ منشأي ومُبَوَّئِي ... ومَعْهَدِ أحبابِي ومألَفِ جيراني
بلادي التي فيها عَقَدْتُ تَمَائِمي ... وجَمَّ بِهَا وَفْرِي وَجَلَّ بها شَاني
تُحَدِّثُني عنها الشَّمالُ فَتَنْثَنِي ... وقد عَرِفَتْ مِنِّي شمائلَ نَشْوانِ
وآمُلُ ألاَّ أستَفيقَ مِنَ الكَرى ... إذا الحُلْمُ أوطاني بها تُرْبَ أوطانِي
تَلَوَّنَ إخواني عليَّ وقَدْ جَثَتْ ... لَدَيَّ خطوبٌ جَمَّةٌ ذاتُ ألوانِ
وما كنتُ أدري قَبْلَ أنْ يَتَنَكَّرُوا ... بأنَّ خِوانِي كانَ مَجْمَعَ إخْوَانِي
وكانت وقد حُمَّ القضاء صنائعي ... عليَّ بما لا أرتضي شر أعوانِ
فلولاكَ بَعْدَ الله يا مالِكَ العُلَى ... وقد فتَّ ما ألفَيتُ مَنْ يَتَلافاني
تَدَارَكْتَ مني بالشفاعةِ مُنْعِمًا ... بَرِيًّا رماه الدَّهرُ في موقفِ الجَاني
فإنْ عَرَفَ الأقوامُ حَقَّكَ وُفِّقوا ... وإن جهلوا باءوا بصفقة خسرانِ
وإن خلطوا عُرْفًا بِنُكْرٍ وقَصَّرُوا ... وَزَنْتَ بقسطاس قويم وميزانِ
وحُرْمَةُ هذا اللَّحْدِ يَأبَى كمالُها ... هَضيمةَ دارٍ أوْ حَطيطَةَ نُقْصَانِ
وقد نِمْتُ عن أمري ونَبَّهْتُ هِمَّةً ... تُحَدِّقُ مِنْ عُلْوٍ إلى صَرْحِ هامانِ
إذا دانت اللهَ النفوسُ وأمَّلَتْ ... إقالَةَ دَنْبٍ أو إنَالةَ غُفْرَانِ
فمولاك يا مولاي قِبْلَةُ وجهتي ... وَعُهْدَةُ أسراري وحُجَّةُ إعلاني
وقفتُ على مثواهُ نَفْسي قائِمًا ... بِتَرديدِ ذِكْرٍ أو تلاوةُ قُرآنِ
ولو كنتُ أدري فَوقَها مِنْ وَسيلةٍ ... إلى مُلكِكَ الأرضي لَشَمَّرْتُ أرداني
وأبلغتُ نَفْسي جَهدها غَيرَ أنَّني ... طِلابِيَ ما بَعدَ النِّهايةِ أعياني
قرأتُ كتابَ الحَمدِ فيكَ لعاصِمٍ ... فَصَحَّ أدائي واقتِدائي وإتقاني
فَدُونَكَها مِنْ بَحْرِ فِكْرِيَ لؤلؤًا ... يُفَصَّلَ مِنْ حُسنِ النظام بِمَرْجانِ
وكانَ رسولُ الله بالشِّعْرِ يَعْتَني ... وكَمْ حُجَّةٍ في شِعْرِ كَعْب وحَسَّانِ
ووالله ما وَفَّيْتَ قَدْرَكَ حَقَّهُ ... ولكنَّهُ وُسْعِي ومَبْلَغُ إمْكَاني
فصل في إدالة الدولة بالأندلس ثانية
ولم يكد الرسول يتوسط سفره، حتى أظلّ ما كان من استلحام سلطان الأندلس إسماعيل بن الأمير أبي الحجاج بن نصر، الباغي على أخيه أحانه الله لسوء سيرته وشؤم مولده، من رَبِيَّ مومسة وحبيس سجن لم يكسبه اعتبارًا ولا خشية، مضفور الوفرة بخيوط الإبريسم إلى عُصْعُصِه، قد فَضَلَت من لحمه ضفيرة جَمَّة ذات عُقَدٍ مموَّهة، شديد الخِفَّة والتَّنَزُّل، يعكف وأمُّه العُشبة الناشئة في المنبت السوء، والأَرُومة الخبيثة على أسلاب المنكوبين، وماعون المحرومين يتجاذبان آلة الغزل، ودقيق الخرط، ويمسحان بأكمامهما ما علاه من الشَّعَث، ويختبران بألسنتهما قُوَى المُرَكَّبات، وبرز إلى الجو من قَفَص العُقْلة، ملقيًا بيده في مساقط المئجنة والتخلف، غير مسستر بالقاذورات، ولا مُوَرّ بأخابث الشهوات. وغصَّ بمكان ابن عمه مولاه لغة وعرفًا، الذي أوطأه السَّنام والذَّروة، واستخلص له المُلك من لَهاة اللَّيْث، واستنزله من سُكَاكِ الجو، فتجهَّم له، وانفرد بالخالص دونه، وشرع في القبض عليه لو وفِّق، فأقصر المذكور مليًا إياه بانقباضه، ومتمكنًا من استجماعه، آخذًا صفقة سر أخيه.
1 / 22