ودرجة من قلّد المتكلمين، فيصير هؤلاء إما منافقين، وإما في قلوبهم مرض. ويظن الظان أنه ليس في الأمر على نبوة الأنبياء براهين قطعية، ولا يعلم أن هذا إنما هو لجهل هؤلاء وأصولهم الفاسدة التي بنوا عليها الاستدلال، وقدحهم في الإلهية، وأنهم لم ينزهوا الرب عن فعل شيء من الشرّ، ولا أثبتوا له حكمة ولا عدلًا ... وهم في الأصل إنما قصدوا الرد على القدرية الذين قالوا: إن الله لم يشأ كلّ شيء، ولم يخلق أفعال العباد، وهو مقصود صحيح، لكن ظنوا أن هذا لا يتمّ إلا بجحد حكمته وعدله ورحمته، فغلطوا في ذلك ... "١.
إذًا: فالأمر الخاصّ الذي ألّف شيخ الإسلام ﵀ لأجله كتاب النبوات كما مرّ - هو مناقشة الأشاعرة مناقشة تفصيليّة مستفيضة، وذلك من خلال مناقشة شيخهم الباقلاني في كتابه «البيان» الذي هو عمدة مذهب الأشاعرة في النبوات.
يقول شيخ الإسلام ﵀ عن القاضي أبي بكر: (وفي كلامه في هذا الباب٢ من الاضطراب ما يطول وصفه، وهو رأس هؤلاء الذين اتبعوه؛ كالقاضي أبي يعلى، وأبي المعالي، والرازي، والآمدي، وغيرهم) ٣.
وقال أيضًا - عن الأشاعرة -: (وجوّزوا من جهة العقل ما ذكره القاضي أبو بكر: أن يكون الرسول فاعلًا الكبائر، إلا أنه لا بد أن يكون عالمًا بمرسله ... فلم يعتمد القاضي أبو بكر وأمثاله في تنزيه الأنبياء لا على دليل عقلي، ولا سمعي في الكتاب والسنة؛ فإن العقل عنده لا يمنع أن