لمغراوة أخرجوه منها لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وهو يفيد أنه استقر بفاس بعد رجوعه من رحلته، ثم خرج منها مضطرًا.
وتوفي في سنة ٤٣٠ وهو ابن ٦٥ سنة.
***
هذا في الناحية العلمية، وفي الناحية الأدبية، يمكن أن نشير إلى هذه الظاهرة العجيبة التي تتمثل في استعراب جميع قبائل الشمال المغربي، ما عدا الريف بحيث تنوسيت فيها البربرية تمامًا. ويقال إن الفضل في ذلك يرجع للأدارسة الذين آووا إليها بعد خروجهم من فاس وأسسوا بها دولتهم الثانية على يد القاسم كنتون منهم، تلك الدولة التي كانت قصبتها في قلعة حجر النسر يجبل سماتة (١). ولا يبعد ذلك على النظر، فإن اكتناف هذه القبائل بمدينة سبتة وطنجة وأصيلا والبصرة، وكلها كانت مراكز حركة أدبية نشيطة، مما يقوي بواعث هذا الاستعراب. ولعل أقوى الأدلة على صحة هذا القول، هو انتشار السلالة الأدريسية في هذه القبائل انتشارًا لا يوجد له نظير في ناحية أخرى من نواحي المغرب. وهو دليل باق إلى الآن، يحملنا على القول إن تأثير الأدارسة في استعراب البربر وتطورهم الفكري أكثر مما نظن.
فاذا ذهبنا نقيس عملهم في هذا الباب بعمل أمراء نكور (٢) أبناء صالح بن منصور، وقد تأسست هذه الإمارة في الريف قبل قيام الدولة الأدريسية وبقيت
_________
(١) وقع في وهلنا لأول مرة مررنا بهذا الموقع الحصين المسمى إلى الآن بحجر النسر في قبيلة سماتة أنه المكان الذي أقام فيه الأدارسة دولتهم الثانية ولم نجد من نعتمد عليه في ذلك ونعتضد به، سوى الأوهام وكلام العوام. حتى وقفنا على ما يثبت ذلك عند النسابة ابن رحمون في كتابه شذور الذهب، فإنه جزم به في مواضع من الكتاب المذكور وقال إنه يعرف أيضًا بحجر الشرفاء وبدار القرار لقرار الأدارسة فيه عند تغلب الدول عليهم وإن كان وقع له في أحد النقول أنه في قبيلة بني زجل حول شفشاون. والأول أثبت ومثله عند النقيب الريسوني في كتاب فتح العليم الخبير. وعليه فما في دائرة المعارف الإسلامية من أن هذا الموقع غير معروف، فيه قصور.
(٢) مدينة النكور بالريف أسسها إدريس بن صالح بن منصور سنة ١٣٢. وخربها يوسف ابن تاشفين سنة ٤٧٣.
1 / 53