ولكن شيئا آخر لم يعترف به أوجوست كونت - وما نشك في أنه لم يتعمد ذلك ولم يقصد إليه - وهو أن أرسطاطاليس هو الذي استكشف الأصل الثاني للفلسفة الاجتماعية وهو الحركة، بل ربما كان أفلاطون قد سبق إلى تصوره ووصفه بعض الشيء في الجمهورية، ولكن أرسطاطاليس قد وصفه في السياسة وصفا علميا واضحا لا يجعل للشك فيه سبيلا.
لم يكتف أرسطاطاليس بأن بين لنا كيف تتكون الجماعة السياسية، بل أثبت لنا أن هذه الجماعة إذا تكونت فهي متحركة؛ أي خاضعة للاستحالة والانتقال من طور إلى طور، فهي ملكية في أول الأمر ثم أرستوقراطية ثم خاضعة لحكم الطغاة ثم ديموقراطية.
ولا ينبغي أن نفرض أن أرسطاطاليس لم يصف لنا إلا استحالة الحكومات، فإن الحكومة عند أرسطاطاليس صورة من صور الجماعة لا تنتقل ولا تستحيل إلا بانتقال الجماعة واستحالتها.
فأرسطاطاليس إذن هو الذي استكشف هذين الأصلين: أصل الثبات وأصل الحركة اللذين تقوم عليهما فلسفة «كونت» الاجتماعية.
نعم إن أرسطاطاليس لم يصفهما وصفا علميا مفصلا، ولم يعطهما شكل القانون العام كما فعل أوجوست كونت، ولكنه استكشفهما ووصفهما وصفا واضحا لا شك في أنه أعان «كونت» على وضع نظرياته المفصلة.
فإليه إذن يرجع الفضل في وضع علم الاجتماع.
نلح في ذلك ونتشدد في إثباته؛ لأن هذا الأصل الثاني الذي لم يعترف به لأرسطاطاليس هو أنفع الأصلين وأبقاهما، فلم تظهر الآن نظرية اجتماعية تحاول إنكار استحالة الجماعة وانتقالها من طور إلى طور، بل ما زال هذا الأصل نقطة التقاء علماء الاجتماع على اختلاف آرائهم ومذاهبهم.
فأما الأصل الأول، فليس له من البداهة نصيب مقبول؛ ذلك أن للأسرة نظاما فيه شيء غير قليل من الترتيب والتنسيق، فالقول بأن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية لا يخلو من الإسراف والضعف؛ لأن التحليل الصحيح يجب أن يستمر حتى يصل - إن كان هذا ممكنا - إلى أبسط الوحدات وأشدها سذاجة، وبعيد ما بين الأسرة وبين ذلك، بل نحن لا نشك في أن الأسرة كما يصفها أرسطاطاليس ليست أول طور اجتماعي من أطوار الإنسان، وإنما وصل إليها هذا الاجتماع بعد أنواع من الاستحالة والانتقال غير قليلة.
لم يثبت أرسطاطاليس وجود هذه الحالة الاجتماعية فحسب، بل فصلها وحاول تفسيرها وأصاب في شيء كثير من ذلك، فما زالت الفصول التي كتبها عن الثورات وسقوط النظم السياسية والاجتماعية لتقوم مقامها نظم أخرى قيمة جليلة الخطر.
هناك شيء قد أخذ به أرسطاطاليس، وهو في رأينا وفي رأي كثير من المحدثين من أحسن الأدلة على ما كان يمتاز به هذا العقل من قوة علمية، ومن ميل إلى الواقع الموجود؛ ذلك هو رأيه في الرق.
अज्ञात पृष्ठ