هو البحث عن الإنسان من حيث إنه مفكر؛ وهذا هو علم المنطق.
الرابع:
البحث عن الإنسان من حيث إنه مفكر يريد أن يعبر عما يجول في خاطره من صورة وحكم؛ وهذا هو علم البيان.
فأما القسم السياسي من فلسفة أرسطاطاليس فيمثله كتاب السياسة، ولسنا في حاجة إلى أن نصف ما بذل أرسطاطاليس من الجهد في استخلاص ما يشتمل عليه هذا الكتاب من الثمرات، فكل الناس يعرف أنه امتحن لذلك نظما سياسية وجدت بالفعل تزيد على خمسين وثلاثمائة نظام، وأنه قد امتحن لذلك أيضا مذاهب الفلاسفة الذين سبقوه، لا سيما مذهب أفلاطون.
ثم عرض لنا في هذا الكتاب مناقشته للمذاهب المختلفة القائمة في السياسة ونقده للنظم السياسية المختلفة القائمة في عصره، ورأيه بعد ذلك في أحسن صور الحكومة وأنفعها.
على أن نظرية من نظريات أرسطاطاليس تستحق أن يعنى بها عناية خاصة؛ لأن البحث عنها بل اتخاذها مذهبا قد استؤنف في العصر الحديث، هذه النظرية هي قول أرسطاطاليس: إن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية؛ أي إنها هي الذرة التي لا تقبل القسمة، والتي تكون مع ذرات أخرى تشبهها الجسم الاجتماعي، فالأسرة تنمو نموها الطبعي فتكون القرية، وهذه القرية بانضمامها إلى قرى أخرى تكون المدينة أو الدولة أو الجماعة السياسية.
بسط أرسطاطاليس ذلك في الفصل الأول من الكتاب الأول من سياسته، وقد استأنف أوجوست كونت هذا البحث الاجتماعي فلم يزد فيه على أرسطاطاليس شيئا، بل اتخذ رأيه هذا أصلا لأحد قسمي فلسفته الاجتماعية، وهو القسم الذي يسمى ستاتيك؛ أي قسم الثبات.
فنحن نعلم أن شيئين يكونان الجماعة في رأي أوجوست كونت: شيء ثابت لا يتغير وهو أصل الجماعة وأصل نظامها، وشيء يتغير ويستحيل وهو موضوع القسم الثاني من قسمي فلسفة أوجوست كونت، وهو الذي يسمى الديناميك؛ أي المتحرك.
ففي الجماعة إذن عند أوجوست كونت سكون وحركة أو ثبات واستحالة، فبفضل هذا السكون أو الثبات تحفظ الجماعة وحدتها على اختلاف الأزمنة، وبفضل هذه الحركة أو هذه الاستحالة تتفق الجماعة مع ما يختلف عليها من ظروف الحياة وأطوارها المتباينة.
وقد رأينا أن الأسرة التي اتخذها أرسطاطاليس وحدة اجتماعية قد اتخذها أوجوست كونت وحدة اجتماعية أيضا وأقام عليها القسم الأول من قسمي فلسفته، وقد اعترف أوجوست كونت بفضل أرسطاطاليس وعده في كتابه الفلسفة الوضعية أول من أسس علم الاجتماع.
अज्ञात पृष्ठ