فأوردت ما كتبته مما كان في حفظي سالفا ، مختلطا بما سمعته آنفا ، من غير | أن أجعله أبوابا مبوبة ، ولا أصنفه أنواعا مرتبة ، لأن فيها أخبارا تصلح أن يذاكر | | بكل واحد منها في عدة معادن ، أكثرها ما لو شغلت نفسي فيه : بالنظم والتأليف ، | والتصنيف والترتيب ، لبرد واستثقل ، وكان إذا وقف قارئه على خبر من أول كل | باب فيه ، علم أن مثله باقيه ، فقل لقراءة جميعه ارتياحه ونشاطه ، وضاق فيه توسعه | وانبساطه ولكان ذلك أيضا يفسد ما في أثنائه من الفصول والأشعار ، والرسائل | والمثال ، والفصول التي إن رتبت على الأبواب وجب أن توصل بما تقدم من | أشباهها ، وتردد في الكتب من أمثالها ، فينتقض ما شرطناه ، ويبطل ما ذكرناه ، من | أن هذه الأخبار جنس لم يسبق إلى كتبه ، وأنا إنما تلقطتها من الأفواه دون الأوراق ، | ويخرج بذلك عن القصد والمراد ، والغرض المطلوب في الاستقامة والسداد ؛ إذ | ليست الفائدة فيها التنويع ، ولا المغزى التأليف ، بل لعل كثيرا مما فيها لا نظير له | ولا شكل ، وهو وحده جنس وأصل ، واختلاطها أطيب في الآذان وأدخل ، وأخف | على القلوب والأذهان وأوصل .
وعلى أني وإن كنت أتجنب بجهدي أن أثبت فيها شيئا قد كتب قبلي ، أو | تنه على الفائدة في إثباته سواي ، إلا الشعر فإنه غير داخل في هذا الأمر ، فإني في | الأول ربما كتبت شيئا أعلم أنه موجود في الدفاتر عقيب شيء يوجبه ويدعو إليه ، | ولأجل فائدة تحببه وتحض عليه ، واعتمادا لترصيع هذه الأخبار ، بما يحببها إلى أكثر | طلاب الآثار ، وقد جعلت كل واحد من أجزائها ، وهو مائة ورقة ، واحدا قائما | بنفسه ، مستغنيا عن الباقي من جنسه ، لا يخل بفائدة لقارئه دون غيره ، ولا يضطره | إلى سواه مع حضوره ، وإن كان في غيره ضروب أخر من الفوائد لا تعلم إلا منه ، | وصدرت كل جزء برسالة تدل على جنس الأخبار الموردة في جميع الأجزاء ، | والغرض منها ، والسبب الباعث على جمعها ، مختصرة لهذا الشرح الطويل ، وموجزة | في جملة الأجزاء الأخر ما هو في معناه داخل ، ومن نوعه وفنه حاصل ، ومما ليس فيها أخ | له على حسب ما سنح وتيسر ، واتفق ولم يتعذر .
وأرجو أن لا يبور ما جمعته ، ولا يضيع ما تعبت فيه وكتبته وأثبته من ذلك | وصنعته ، فلو لم يكن فيه ، إلا أنه خير من أن يكون موضعه بياضا لكانت فائدة إن | شاء الله تعالى .
وإياه أسأل التوفيق في المقال ، والتسديد في جميع الأفعال ، والعصبة من | الزلل ، والحفظ من الخطإ والوهل ، إنه بذلك ولي ، وبالمرجو فيه منه ملي ، وهو | حسبي ، وإليه في كل أمر مرجعي ، وعليه توكلي ، ولا حول ولا قوة إلا به ، إنه | نعم المولى والوكيل .
पृष्ठ 4