: كنت بحضرة الوزير أبي الحسن بن محمد بن هارون المهلبي رحمه الله ببغداد وقد دخل إليه أبو إسحق القراريطي بعد وروده من مصر وأبو القاسم الجهني حاضر . فقال له : يا سيدي تسل أبا إسحق عن الحكاية التي كنت حكيتها لك في أمر الجامات البجاذي ؟ فإني كنت ذكرت لك أنه كان حاضرا لأمرها وما علمت أنه قدم من مصر فأواطئه . فقال له أبو محمد : ما بك إلى هذا حاجة . فقال : بلى يا سيدي ، ثم التفت إلى القراريطي ، فقال : إني حكيت لسيدنا الوزير أن المقتدر أنفذني أيام تقلدي له المواريث لقبض تركه فلان ، فذكر أميرا جليلا ، قد أنسيت اسمه على الحقيقة ، وأظنه قال : يأنس الموفقي ، وأنفذك مستظهرا بك لتحصي التركة ، وإنها كانت هائلة عظيمة ، وإنا وجدنا فيها ثلاثين جامة بجاذي ، كل جامة فتحها شبر وكسر ، في غلف من لب الخيازر ، مبطنة بالحرير والديباج ، مضربة بالنبات ، محلاة بالذهب ، فأثبتناها ، وحملناها إلى المقتدر ، فهاله حسنها ، وأحضر ابن الجصاص ، وأمره بتقويمها ، فقال : ما أعرف لها قيمة ، ولا رأيت مثلها قط ، ولولا أني شاهدتها ، لكذبت بوجود مثلها ، ولو قلت إن قيمة كل واحدة مائة ألف دينار ، ما خشيت البعد . وإني لما حدثت سيدنا الوزير أيده الله ، بهذا الحديث ، كذبني جماعة من ندمائه ، وكنت أنت يا سيدي بمصر ، فإن رأيت أن تقيم الآن لي الشهادة . فقال القراريطي : قد صدق - أيد الله الوزير - أبو القاسم ، أنا رأيت هذه الجامات ، وقبضتها للمقتدر من هذه التركة وسمعت ابن الجصاص يقول هذا ، وقد نشي أبو القاسم شيئا جرى لم يذكره . فقال أبو محمد : ما هو ؟ . فقال : سألنا خازن الرجل عن هذه الجامات وسببها ، فقال : لا أعلم من أين وصلت إليه ، ولكن كان عنده منها ، ثمانون جامة ، فأهدى إلى جماعة من الملوك منها وبقي هذه البقية . فاستطرف أبو محمد المهلبي الحكاية واستحسنها .
पृष्ठ 22