وليلى لا تقر لهم بذاكا
فنظرت أنت ببصيرتك الوقادة وفكرك الصائب في جسم المريض، وفتشت في مظان العلل، فعثرت على أشدها فعلا فيه، ودونت مقالاتك في كتاب جمع من الآراء النافعة والأفكار الناجعة ما لو عولج به ذلك المريض لذهب بأصل أمراضه وقرب للأطباء والرقاة يوم شفائه.
أجل يا بنت حفني، إن تربية بنات مصر لهو العلاج الأكبر الذي غاب عن أكثر الباحثين في أسباب انحطاطنا وثقل خطانا في طريق التقدم.
أجل، إن الفتاة إذا أصبحت أما وكانت متعلمة متهذبة آخذة من أسباب التربية بما تشيرين به كانت لولدها في مهده ملكا حافظا، فإذا حملته رجلاه سددت خطاه، فإذا انطلق لسانه هذبت كلماته، فإذا سلم لمعلم كانت رقابتها نافعة في حث الصغير على الاستفادة وحمل المعلم على الإفادة.
إذا أم دامت - والعياذ بالله - على ما نراه من الجهل كانت الحال على عكس ما قدمت، ولو لم يكن في تعليم البنات وتهذيبهن إلا ما ننشده من الوفاق والوئام بين الزوجين وتقليل الطلاق والاكتفاء بزوجة واحدة، تقربا من العدل الذي أمرنا به كتابنا الحكيم، لكفى كل ذلك مقرظا لكتابك النفيس وآرائك الصائبة. والخلاصة؛ أن ما جاء في كتابك متعلقا بتعليم البنات وتأديبهن وتهذيبهن يعد من أجل الخدمات للوطن في زمن تشكلت فيه الوطنية أشكالا شتى، لا يلائم أحدها حالتنا الحاضرة والظروف التي غيرت وجوه الحكمة بيننا.
إن لرقي مصر أبوابا عديدة أراك قد فتحت أوسع باب منها، فكانت بك ربات الجمال سابقة أرباب السيف والطيلسان إلى أجل خدمة تؤدى لمصر، ولا أخال شباننا وكهولنا إلا فاتحين الأبواب الأخرى؛ أبواب العلم والعمل والصناعة والتجارة والزراعة، وغيرها من أبواب الخير والسعادة المؤدية إلى استقلال الوطن، والتي يعد كل منها مؤديا إلى استقلال نوعي تسعد به البلاد إلى أن يأتي يوم الاستقلال الأكبر.
أما من جهة الحجاب، وما أدراك ما الحجاب، شيء يظنه أسرا واسترقاقا، ويعتقد البعض أنه سعادة وسيادة، فالذي أراه فيه هو أننا رأينا المرأة متأخرة في حجابها فاستنكرنا تأخرها والحجاب معه، ولو كنا عاقلين لانتظرنا اليوم الذي نراها فيه متعلمة مرباة، فربما حكمنا غدا بأن الحجاب أنفس حلي المرأة الراقية، بارك الله فيك وفي كتابك، وجعله مرجعا نافعا لطلاب رقي نصيف أهل مصر - أعني نساءها - بل كل أهل مصر بفضل تهذيب نسائها ورجالها، آمين.
جاء من فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ عبد العزيز جاويش:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وبعد ذلك، أنا قلت كلمة في النسائيات التي وضعتها السيدة الجليلة «ملك حفني»، فما أنا بمقتف أثر المقرظين ولا متساهل تساهلهم (على عادتي قبلا)، فإنني تصفحت هذه العجالات الثمينة واستوعبتها درسا وبحثا، فوجدت بين دفتيها من النصائح الأدبية والمسائل الاجتماعية ما لو بنيت عليه تربية البنت في بلادنا لسلمت منازلنا من كثير من ضروب الشقاء، الذي ابتلي به الشرقيون منذ تركوا تعاليم دينهم، وانحرفوا عن الصراط السوي في معاملاتهم، لقد وصفت السيدة الفاضلة أكثر عللنا الاجتماعية ومبلغ آثارها في حياتنا المنزلية وشؤوننا المدنية، فكانت فيما وصفت خير من يعتمد عليه في تعرف شؤوننا، ثم جعلت تصف لكل علة من طرق العلاج ما لو أخذت به النابتة منذ النشوء لصلح حال الأمة في جميع أطوارها ولنبلت مبادئها وغايتها، ولقد رأيتني إزاء كل باب من أبواب هذه المجموعة أقلب بصري في حقائق، بيد أنها كما يقال في المثل : «حقائق مرة» لا يجمل بالمصري الصبر عليها ولا يمكنه التبجح بإنكارها، على أنها قد هونتها العادة على النفوس حتى مرت الأيام تتابع والأجيال تتعاقب دون أن ينتبه لرذائلها وسوءاتها الرجال فضلا عن النساء إلى أن وفق الله لهذه الأمة سيدة كاتبات هذا العصر، وأستاذة المربيات في مصر، فوضعت هذه العجالات التي ستكون فاتحة تاريخ جديد للتربية الصحيحة القويمة التي أساسها إصلاح المرأة والرجل اللذين عماد كل شيء في الحياة الدنيا.
अज्ञात पृष्ठ