البشاشة مفتاح ما أغلق من السعادة، ومعوان على قضاء الأشغال، يصل نورها إلى قلب صاحبها فيفعمه غبطة، كذلك يلقي شعاعه الكهربائي على من حوله فتنتعش به أرواحهم وهي جميلة في الكهل، كما تجمل في الطفل، إلا أنها أبهى وأشد تأثيرا في المرأة تلك التي تسيطر على القلوب ولا تدري.
خلقت المرأة لطيفة بالفطرة، والبشاشة من لوازم اللطف، كما هي من المؤثرات في الجمال، وإن لين صوتها ونعومة أديمها وتناسب أعضائها لتستدعي مراعاة النظير في رشاقة حركاتها وانفراط أسرة وجهها، كذلك صوت المرأة يدل على تربيتها، فالمرأة المهذبة لا ترفع الصوت ولا تكاد تسمعها عن بعد إلا كالهمس، هذا إذا لم يبعثها باعث شاذ على إعلائه كأن تقف خطيبة على جمع حافل أو تلقي درسا في حجرة واسعة، ولكنك إذا اجتزت أحد شوارع البلد الهادئة يذعرك كثرة ما تسمع من صياح النساء في غير طائل إلا شتم الخدم والدعاء على الأطفال أو محض قص القصص أحيانا، فإذا دخلت المنزل تجد صاحبته مقطبة الجبين، يكاد يطردك عبوسها عن أن تقابلها، ولا توشك أن تجلس حتى تبدي لك سبب صراخها، فتشكو من هذا وتتألم من تلك إلى أن تجعل الدنيا في عينيك كسم الخياط.
يلاحظ نساء الفرنجة ذلك، وكذلك السيدات التركيات، ويستدللن من صوت المرأة على مكانتها في الاجتماع، فالمهذبة تخفضه أما عاليته فيصمنها بفساد التربية أو ضعة المنبت، ولكننا نحن المصريات قلما نراعي ذلك فقد تجد أعرقنا أصلا أقوانا نبرة، وأكثرنا حشمة أشدنا صراخا.
ثم إذا أرادت إحدانا التنقل من حجرة لأخرى تراها تتعثر بأذيالها، أو يصدمها حائط أو تكسر زهرية قريبة منها، وهذا كله نتيجة تربيتها الأولى.
يجب أن تتعلم الفتاة كيف تمشي وكيف تتكلم، لا أريد بذلك أن تتدرب على التبختر أو غنة الصوت، كلا وإنما المراد تربيتها على ملاحظة ما حولها والانتباه له؛ فكثيرات عندنا وكثيرون أيضا من يمشون غير حذرين فيقعون فيما لا تحمد عقباه، وإن كثرة صرعى (الترام) في مصر وتعدد السقوط من النوافذ لبرهان جلي على فساد التربية سواء كانت في الأطفال أو الكبار، وإن من العمى لمن هم أشد حذرا في التلمس وأكثر تؤدة في المشي من هؤلاء المبصرين الذين (لا يستعملون أعينهم) كما يقول الإنكليز في اصطلاح لغتهم.
إذا كان الإنسان عاجزا عن أن يحسن خلقته أو يغيرها تغيرا ثابتا، فإنه يستطيع على الأقل أن يحفظها كما هي زمنا طويلا وأن يحسن أخلاقه، وهذه الثلاث الخصال؛ أي: البشاشة والخفة وانخفاض الصوت من مجملات المرأة خلقا وخلقا، ومن محسنات الصحة أيضا؛ فقد ثبت أن تقطيب الوجه يدني إلى الشيخوخة بما يخلفه من الآثار والغضون، فيثني الجلد ثنايات لا انفراط لها فيما بعد، وأظن هذا هو السبب الوحيد فيما يظهر على نسائنا من الكبر قبل الأوان.
أما خفة الحركة فكفى بها ما تستدعيه من نشاط الجسم وتوفير الوقت، تسافر المرأة الإفرنجية الآن أو البدوية وحدها، فتركب القطار أو الجمل وتنزل وسرعان ما تحمل متاعها أو تحضر من يحمله لها بلا ضوضاء، أما المصرية فلا تسافر إلى محطة قريبة إلا ومعها من الخدم والأقارب من تعطلت أعمالهم من أجلها، ثم تجدها لا تكاد تحرك رجلا لتنزل حتى يتحرك القطار وإذا ساعدها الله (والأولياء) ونزلت! فما أكثر ما تفتقده ولا تجده! ضاعت حقيبة المصوغات وانكسرت القلة فبللت حبرتها، واشتبك برقعها بمفتاح العربة فانقطع خيطه، وإذا لم يسرع حشمها في التقاط أطفالها فقد يقع أحدهم تحت العجلات صريعا.
أما انخفاض الصوت، ففضلا عن رقته ولطفه في ذاته، فإنه يريح الرئتين والزور من الإجهاد وكذلك يقع لينا على آذان السامعين.
المرأة صاحبة البيت في الحقيقة لا الرجل، فإنها بما لها من القيام على ترتيبه وحفظ من فيه وما فيه تسري سلطتها على من يسكنونه معها من زوج وأولاد وخدم، والرئيس له تأثير غريب على مرؤوسيه، يأتي طبيعيا إن لم يكن بالتقليد لنيل الزلفى، فإذا دخل معلم على تلاميذه بحالة من الحالات النفسية تجد أن تلك الصورة بعينها قد انطبعت في التلاميذ إن فرحا وإن غضبا. والمرأة لها نفس التأثير الغريب في بيتها، فحرام أن تحزن معها رجلا يتعب ويكد يومه ولا يغشى بيته إلا ليستريح، وأولادا صغارا لا يعرفون للهم معنى، وخدما تبعث فيهم كلمة طيبة منها روح النشاط وحب العمل، حرام أن تكدر صفو هؤلاء على غير جريرة؛ لأنها تشعر بملل من طول الكسل، أو بضيق صدر بسبب كان ذلك أو بلا سبب.
على أن بعضهن قد يفرطن في التبسم وانخفاض الصوت إلى درجة تخرجهن عن اللائق، فالمرأة الضاحكة بلا سبب والخفيفة إلى حد الطيش والواطئة الصوت إلى حد الهمس كلهن مفرطات فيما يجب، إنما أعني أن تصحب البشاشة الوقار، والخفة الحزم، وهدوء الصوت البيان. هذا هو الجمال الممكن نيله، الممدوح أثره، لا الطلاء والتطرية الكاذبان.
अज्ञात पृष्ठ