مفسدة للمال؛ لأن الرجل - فضلا عن تحمله أعباء أسرتين وقيامه بلوازمهما - يرى كل زوجة من الثنتين تجتهد في التبذير لتعجزه عن الإنفاق على الأخرى، أو لتمنعه من الزواج بأخرى، ولا تلام إحدى الزوجتين على تبذيرها، فذلك طبيعي؛ إذ تقول: ما الفائدة من اقتصادي؟ أنا أحرم نفسي مما ربما أشتهيه وزوجي ينفق ذلك المتوفر على امرأته الثانية؟ فخير لي أن أمتع نفسي بمطالبها كما تفعل ضرتي، أما الأولاد فإنهم بدلا من أن يكونوا من امرأة واحدة يولدون من امرأتين فيتضاعف عددهم، فإذا أخرجنا الأغنياء من حكمنا كانت معيشة الأب المتوسط أو الفقير ضنكا وعوزا؛ لأن زماننا هذا غير الزمان الأول؛ فغلاء المعيشة ونفقة أسرتين وتعليم أولادهما ليس بالأمر السهل.
مفسدة للأخلاق؛ لأن زوج الضرائر دائما يحتال ليطمع كل واحدة في حبه، وهذا تكفي فيه المداهنة والتطبع على أن زواج الضرائر في ذاته طمع وشره.
مفسدة للأولاد؛ لأني رأيت بنفسي أن كل ضرة تطبع كراهتها لضرتها في نفوس أولادها، فيشب الطفل وقد أشرب كره إخوته لأبيه وأمهم بلا مسوغ سوى ما زرعته أمه في عقله من مبادئها؛ فمهما فعلت امرأة الأب لترضي ابن زوجها ومهما أحسنت معاملته فإنه لا يفتأ يتهمها بكراهيتها له، وبأن ما تعمله معه من خير ومعروف فإنما هو لخوفها من أبيه أو مداراة لما في قلبها منه! وإنك لترى أبناء الرجل الواحد يغارون ويحسدون بعضهم البعض كما علمتهم أمهاتهم، وفي كلام العامة وأمثالهم الجارية ما يؤيد صحة هذا المبدأ.
مفسدة لقلوب النساء؛ لأن الأولى تكرهه بلا شك لإغضابه إياها وجرحه لعواطفها والثانية لا تصافيه مطلقا ما دام متعلقا بغيرها؛ فهو: «المنبت، لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.»
ويسرني أن عادة الجمع بين زوجتين كادت تتقلص الآن من بين الطبقات المتنورة والعالية؛ لأن التمدين والاستنارة يحرمانها وإن ادعوا أن الشرع يحللها، ولأن العيش أصبح سعيا وتناحرا، فإذا كان أجدادنا يكفي أحدهم أن يمتلك عشرة أفدنة لينام مستريحا في بيته ويتزوج اثنتين أو ثلاثا، فإن رجل اليوم لا يكفيه مائتا فدان مع تعبه واجتهاده للإنفاق على بيت واحد صرف التمدين الحديث محب الظهور. (8) سن الزواج
بينت في مقالي الأسبق ما يجب مراعاته في الخطبة والزوج من حيث اتحاد مشارب الزوجين في الدين والأخلاق والمعارف على قدر الإمكان ومعادلة البيئات، واليوم أفرد موضوعي هذا لشرط آخر لا يقل عن هذا أهمية وهو السن الملائمة للزواج. «الشرق» كما قال لورد كرومر في أحد تقاريره عن مصر: «يتم فيه بلوغ كل شيء متقدما.» وهذه حقيقة جغرافية لا ريب فيها؛ إذ بنسبة حرارة البلاد يكون نضج النبات والثمار ونمو الإنسان والحيوان. هذا ناموس الطبيعة الثابت، بغير نظر إلى تفاوت درجة العلم والعناية، وما يتخذ من التدابير لإنماء ذلك الشيء أو لتحسين الآخر، مما يكون له أثر في البطء والإسراع، فبلوغ الفتيات في مصر يكون عادة في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة لجيدات الصحة بعكس فتيات أوروبا والبلاد الباردة الأخرى؛ فإنهن ربما جزن السادسة عشرة أو الثامنة عشرة ولم يبلغن. وعليه، فلا نقيس سن الزواج عندنا به عندهن؛ لأننا كما نسبقهن في البلوغ يجب أن نسبقهن أيضا في الزواج، فضلا عن أن فتياتنا أقرب إلى السكينة، وأبعد عن الطيش من أخواتهن الغربيات، وإني لا أوافق بعض الأطباء الذي كتب في الجرائد مرة ينص على أن سن البلوغ يجب أن يكون هو بعينه سن الزواج؛ إذ بالله ماذا تفهم فتاة في الثانية عشرة من معنى الزواج، وماذا تعلم من أمور البيت، وماذا تعمل لو رزقت بأولاد؟ إني أكاد أتصورها تموت هي وإياهم إن لم يكن في النفاس ففي التربية، وقد ثبت بالتجربة أن أكثر اللاتي يتزوجن صغيرات جدا يصبن بأمراض الأعصاب (الهستيريا) وهذا هو السر في وجود (الزار) كثيرا عندنا.
إن الزواج ليس بالشيء الهين ولا هو بالهزل؛ تظن الفتيات الصغيرات والراشدات أيضا أن الزواج معناه ضرب الموسيقى ونصب السرادق ليلة العرس ولبس الحرير والماس والمباهاة بالأثاث والأواني الفضية، وغير ذلك من ضروب الفخر الكاذب والطنطنة الفارغة، ليس هذا هو الزواج يا سيدتي الصغيرة، بل هو إرضاء الزوج وحسن القيام على ماله وتدبير بيته ومؤاساة أهله وتربية أولاده ورئاسة خدمه، فهل تستطيعين كل ذلك؟ لا أخالك تستطيعين.
تقص علينا جداتنا وأمهاتنا في بعض سمرهن أنهن تزوجن ولم تزل عليهن التمائم؛ فكن يهربن في (الحارة) ويبكين عند الجيران ويأتين من المضحكات ما يبكي؛ فهل نريد أن نرجع القهقرى إلى زمن أجدادنا؟! حرام عليكم - أيها الآباء - ظلم بناتكم وتكليفهن ما لا يطقن (ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، حرام عليكم - أيها الآباء - الإصغاء إلى أماني النساء الجاهلات وزج بناتكم الصغيرات في سجون الزوجية الضيقة، حرام والله أن تتزوج البنية اليوم وترجع لبيت أبيها غدا، حرام على الأم أن تقول: «أريد أن أفرح ببنتي»، فتزوجها طفلة ولا تنتقي لها كفؤا، بل تعطيها لأول طالب لها، ولعمري إن الزواج ليتطلب الروية والتأني، والأم ملومة أكثر من الأب؛ لأنها جربت الزوجية بنفسها وسبرت غور مصاعبها وأتعابها، إلا أن حب الظهور متأصل فينا لدرجة أننا نرمي ببناتنا في المأزق الحرج كي يقال عنا: عرس فلانة كان فخما، وما أبهى العروس! وغير ذلك من الترهات.
والزوج قد يسر أولا من عروسه الطفلة لكنه لا يلبث أن يستاء، وهي مظلومة لا جريرة عليها؛ لأنها بالطبع لا تفهم ولا تستطيع القيام بحاجات منزلها من نظافة وحسن ذوق في وضع الأشياء في مواضعها، وهي لا تفهم معنى المسئولية لكنها مع الأسف مسئولة عن جميع لوازم البيت من طعام ولباس وغيرهما، وهي تنام مستغرقة من الغروب إلى الضحى، فإذا بكى وليدها لم تسمعه فيقتله البكاء إن لم تقتله هي بالتقلب عليه في النوم، والطفل يحتاج لسهر الليل وللرضاعة، أفتقدر الصغيرة على حمله طول الليل وإرضاعه، ومعرفة أمراضه وأوجاعه وحسن العناية به؟! يا قوم هذه إحصائيات الصحة ترينا كل يوم بأجلى ما يرى كثرة موت الأطفال في مصر، أو أصابتهم بما يعسر شفاؤه نتيجة جهل الأمهات بلا شك، والجهل في الصغر أكثر منه في الكبر، فإذا قرن بما يستلزم الصغر من الضعف وعدم القدرة على تحمل مصاعب التربية كان أدهى.
ومن نكد الدنيا على الفتاة - قاصرة كانت أو رشيدة - أن تتزوج من فتى صغير تابع لأبيه وتكتفي من الزوج بأنه ابن فلان الغني، فطالما سمعنا بأن اختلاف الكنات أو سوء سير الفتى أدى إلى طرده هو وزوجه من بيت أبيه، فماذا يفعل إن لم يكن تعلم علما أو صنعة تساعده على المعيشة؟ لا جرم أن يذوقا وبالا، أو ينتجعا بيت أهلها وتبقى هي وهو وأولادهما عالة عليهم إلى أن يشاء الله.
अज्ञात पृष्ठ