فإن قال قائل: فقد نجد الرجل الحليم، والشيخ الركين، يسمع الصوت المطرب من المغني المصيب، فينقله ذلك إلى طبع الصبيان، وإلى أفعال المجانين، فيشق جيبه، وينقض حبوته، ويفدي غيره، ويرقص كما يرقص الحدث الغرير، والشاب السفيه. ولم نجد أحدا فعل ذلك عند رؤية معشوقه.
قلنا: أما واحدة فإنه لم يكن ليدع التشاغل بشمها وبرشفها، واحتضانها، وتقبيل قدميها، والمواضع التي وطئت عليها، ويتشاغل بالرقص المباين لها، والصراخ الشاغل عنها. فأما حل الحبوة، والشد حضرا عند رؤية الحبيبة فإن هذا مما لا يحتاج إلى ذكره، لوجوده وكثرة استعمالهم له، فكيف وهو إن خلا بمعشوقه لا يظن أن لذة الغناء تشغله بمقدار العشر من لذته، بل ربما لم يخطر له ذلك الغناء على بال.
وعلى أن ذلك الطرب مجتاز غير لابث، وظاعن غير مقيم؛ ولذة المتعاشقين راكدة أبدا مقيمة غير ظاعنة.
पृष्ठ 143