والنيل هو الذي عارضهم بشلالاته، والنيل الحافل بالأسرار - وهو كالقسيس الذي يمنع المؤمنين من رؤية وجه الله - هو الذي يلوح أنه حال دون مد الأجانب عيونهم إلى عزلة المياه التي تمن عليهم بالحياة. وهل كان المصريون يتوجهون إلى مجرى النيل الأعلى على زوارقهم؟ وهل كانوا يصنعون زوارق بين الشلالات؟ لا ماء في الصحراء، وكثير ماء في النيل حين الفيضان، فما كان يمكن الأجانب أن يسيروا إلى مجراه الأعلى لهذا السبب، وزمر قليلة فقط هي التي كانت تجرؤ على التقدم عند إغضاء الأهالي الأصليين عن ذلك، ويكون الهلاك نصيبها إذا ناصبوها العداوة، وتدل الأقاصيص الألفية على أولئك المغامرين الذين دفعهم فضولهم فردعهم فزعهم.
ويسير رمسيس الكبير متوجها إلى مجرى النهر الأعلى في نهاية الأمر، ويقيم رمسيس هذا مستعمرات على ضفتيه، ويشيد معابد ومدنا على ضفتيه، ويسكن فلاحين وصناعا هنالك، ويخلد مآثره بإقامة مبان وتماثيل في بلاد النوبة، ورسمت الملكة حاتشبست على جدرها زنوجا جالبين لها مواشي وزرائف وجلود أسود وحلق ذهب مع اتخاذهم أوضاع المغلوبين، وترجع هذه الآثار إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد. ومما حدث قبل المسيح بألفي سنة أن أوغل الفراعنة حتى النيل الأزرق ذات مرة. ومما لا ريب فيه أن امتد سلطانهم بين سنة 1900 وسنة 1100 قبل الميلاد إلى الشلال الرابع وأن أخذوا من بلاد النوبة عبيدا وذهبا.
ومع ذلك كان النيل يحمي من أبنائه من لم يفتنه الأجنبي، ومع ذلك كان النيل يحطم سفن الغزاة فيهب هؤلاء الأبناء إلى قتلهم، ومع ذلك كانت سياط العرفاء تعلو هؤلاء الأبناء في الغالب فيكرهون على حفر دهاليز في التلال، وتتبع عروق الذهب فيها، وفك الصخور بإحمائها وإسقاطها بمعاول من حديد، وفيما يحمل الشباب على الجثي عراة وعلى جمع القطع التي تسقط على ضوء السرج
2
المترجرج، والحبو
3
بها إلى نور النهار، يسحقها الشيب والنساء برحى حتى تصبح فدرا
4
بحجم العدس فتطرح بعد الفيضان على طول زورق ضيق طويل، ثم تغسل على ألواح حجرية متحنية
5
अज्ञात पृष्ठ