بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القديم الأزلي الدائم الأبدي الفرد الصمد الواحد ، الحليم الكريم العظيم الجواد الماجد (1)، المتقدس بوجوب وجوده عن الشريك والضد والمعاند ، المتنزه بكماله الذاتي عن الصاحبة والوالد والوالد ، المتوحد بتفرده في الصنع والإبداع عن المعين والظهير والمعاضد ، العالم بمستودعات السرائر ومكنونات الضمائر وما اشتملت عليه العقائد ، المتعالي بتجرده عن نيل الأوهام وإدراك الحواس ، المدرك لجميع الموجودات من الأشخاص والأصناف والأنواع والأجناس ، فهو الغائب الشاهد المختص بالملكوت والعظمة والجبروت ، فكل شيء له خاضع ساجد ، يسبح له ما في السماوات وما في الأرض من رطب وجامد ، أحمده على افضاله المتضاعف وكرمه المترادف المتزايد ، وأشكره على سوابغ قسمه وتواتر نعمه الأوابد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مساعد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشرك والجاحد ، شهادة أستدفع بها الأهوال والشدائد ، وأدخر

पृष्ठ 3

بها الزاد يوم المعاد وأسترفد (1) بها من الله تعالى أعظم الذخائر والفوائد.

وصلى الله على سيد الأنبياء وخير الأصفياء محمد بن عبد الله ، القامع شرعه لكل شيطان مارد ، والموضح دينه لأنواع الحكم وأصناف المقاصد ، وعلى آله المطهرين عن الأدناس ، المقدسين عن الخطايا والأرجاس ، الغرر الأماجد ، صلاة يدحض بها كيد كل كائد ويقمع عناد كل معاند ، وسلم تسليما.

أما بعد : فإن الله تعالى شرف العلماء وعظم الفضلاء لاختصاصهم بمزيد الإفضال وتميزهم بأسباب الكمال ، وهو حصول العلم فيهم المقتضي لارتفاعهم عن مشابهة الجمادات وامتيازهم عن العجماوات ، وجعل مساواتهم لغيرهم محل العجب العجاب فقال عز من قائل: ( @QUR@012 قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) (2). وقد تطابقت الأخبار النبوية والقضايا العقلية البديهية على ارتفاع قدر العلماء إلى ذروة العلى ، وإنهباط منازل الجهال إلى أسفل درك الشقاء. هذا مع (3) ما أعد الله تعالى لذوي البصائر والألباب وأولي النهى والصواب من مزيد الانعام وكثرة الثواب.

ثم (4) إن العلوم متفاوتة بحسب تفاوت المعلومات ، ومتفاضلة بحسب تفاضل المتعلقات ، وبعضها سبب النجاة ، فيجب على طلاب العلم صرف الهمم إلى البدأة بالأهم منها فالأهم.

ولا شك أن أهم المعارف وأولاها وأجلها وأسناها ، ما يكون سببا للخلاص

पृष्ठ 4

من المهلكات وموجبا لارتفاع الدرجات ، وقد ظهر لأهل الحل والعقد ، وأرباب السبك (1) والنقد ، أن أشرف الموجودات وأكمل المعلومات ، هو ذات واجب الوجود ، المفتقر إليه كل موجود ، فالعلم به تعالى وتقدس أجل من كل علم وأنفس. هذا مع اتفاق الرسل والأنبياء ، وإطباق العقلاء وإجماع العلماء على وجوب معرفة الله تعالى على الأعيان ، والحتم (2) بها في كل حين وزمان ، ولم يسوغ أحد من المشرعين ، ولا جوز أحد من العارفين سلوك طريق التقليد لأحد من العلماء ، ولا ارتكاب عقائد الأجداد والآباء ، إلا بعد الجد والاجتهاد والاستقصاء في تحصيل الاعتقاد ، بل حرموا ذلك على الإطلاق ومنعه الشارع بالاتفاق.

وأوجبوا على كل مكلف بذل الوسع في تحصيل المعارف ، ليحصل الأمن من المخاوف ، وذلك إنما هو بعلم الكلام ، فوجب معرفته على الخاص والعام. وقد صنفنا فيه كتبا متعددة ومسائل مسددة.

وقد أجمع رأينا في هذا الكتاب الموسوم ب «نهاية المرام في علم الكلام» على جمع تلك الفوائد التي استنبطناها والنكت التي استخرجناها ، مع زيادات نستخرجها في هذا الكتاب لطيفة ، ومعان حسنة شريفة لم يسبقنا إليها المتقدمون ولا سطرها المصنفون.

ثم نذكر على الاستقصاء ما بلغنا من كلام القدماء ، ونحكم بالإنصاف بين

पृष्ठ 5

المتكلمين والحكماء ، وجمعت فيه بين (1) القوانين الكلامية والقواعد الحكمية المشتملة (2) عليهما المباحث والنهاية (3). فكان في هذا الفن قد بلغ الغاية (4)، لأجل أعز الناس علي وأحبهم إلي وهو الولد العزيز محمد ، رزقه الله تعالى الوصول إلى أقصى نهايات الكمال ، والارتقاء إلى أعلى ذرى (5) الجلال ، وأيده بالعنايات الأزلية ، وأمده بالسعادات الأبدية ، وأحياه الله تعالى في عيش رغيد (6) وعمر مديد ، بمحمد وآله الطاهرين.

وقد رتبت هذا الكتاب على مقدمة وقواعد مستعينا (7) بالله لا غير ، فإنه الموفق لكل خير ودافع كل ضير.

وتشتمل المقدمة على فصول (8):

** الأول : في بيان شرف هذا العلم

| ** الأول : في بيان شرف هذا العلم

|| ** الأول : في بيان شرف هذا العلم

ويدل عليه وجوه :

أأن البديهة حاكمة بشرف العلم وعلو شأنه. لا شك أن شرف العلم تابع لشرف المعلوم ، ولما كان الغرض الأقصى من هذا الفن معرفة الله تعالى وصفاته وكيفية أفعاله وتأثيراته ، والبحث عن رسله وأوصيائهم ، وأحوال النفس والمعاد ، وهذه أشرف المطالب خصوصا وواجب الوجود تعالى أشرف الموجودات ،

पृष्ठ 6

فالعلم به أشرف العلوم.

ب أن مقدمات العلوم قد تكون قطعية ، وقد تكون ظنية ، ويحصل بالأول اليقين ، وبالثاني الظن ، والأول أشرف.

ومقدمات هذا الفن قطعية يقينية (1)، إما (2) بديهية أو كسبية راجعة إليها ، فتكون براهينه أوثق من غيره ، فيكون أشرف.

ج الإنسان خلق لا كغيره من الحيوانات ، بل جعل محلا لخطاب الله تعالى وتكليفه ، لينال السعادة الأخروية ، وهي أجل (3) المطالب وأتم المقاصد ، ولا شك أن نيل هذه السعادة إنما يحصل بالإيمان بالله تعالى ورسله واليوم الآخر ، وذلك كله إنما يحصل بمعرفة هذا الفن ، فيكون أشرف.

د السعادة الدنيوية لا يمكن تحصيلها ، إلا بالحكمة العملية المعلوم فيها معرفة أحوال نظام العالم ، والعلوم السياسية والمدنية (4)، والأخلاق المحمودة والمذمومة ، لتكمل النفس باستعمال تلك ، والتنزه عن هذه (5)، وذلك إنما يحصل بالرغبة في الثواب والرهبة من العقاب ، وإنما يستفادان من هذا العلم.

ه العلم إما ديني أو دنيوي ، والثاني غير معتد به عند العقلاء ، لأنه يجري مجرى الحرف والصناعات ، فالمعول عليه هو الأول لا غير ، والعلوم الدينية كلها متوقفة على صحة هذا العلم ، لأنه المتكفل لإثبات الصانع تعالى ، وإثبات قدرته وعلمه ، ليصح تكليفه ، ويتيسر (6) للفقيه والمحدث والمفسر للكتاب

पृष्ठ 7