فيم الخلاف والتطاول إذن؟ مع أن الأمور واضحة ومقرّرة:
لنا أعمالنا ولكم أعمالكم
إن افتريته فعلى إجرامى وأنا برىء مما تجرمون
لا تسألون عمّا أجرمنا ولا نسأل عما تعملون
بل إن الاية ٢٤ من سورة سبأ تحمل معنى رائعا، وذلك بعدم القطع بالمصيب والمخطئ من المتجادلين، وترك الأمر لحكم الله، وذلك في قوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، أحد الفريقين بالقطع (على هدى)، والاخر (فى ضلال مبين) لكن دون تحديد، نزاهة وإنصافا للخصم المجادل، وإحقافا لأدب الخلاف.
هذه الظاهرة- الإنصاف للاخر عند الاختلاف، بعدم القطع بمن على صواب، أو عدم القطع بالأفضل، أو عدم القطع بمن ينتصر- عرفها العرب.. حسّان بن ثابت يدافع عن الرسول ﷺ، ردّا على هجاء أبى سفيان بن الحارث له، يقول حسّان مخاطبا أبا سفيان:
هجوت محمد فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء ... فشرّكما لخيركما الفداء
لاحظ الشطر الأخير (فشركما لخير كما الفداء) لم يقل الشاعر إن الرسول ﷺ هو خيرهما، وإن كان مؤمنا بذلك، نزاهة وثقة بأن ممدوحه هو الأفضل وإن لم يصرّح بذلك ...
الرسول ﷺ قام بتطبيق أعظم الأمثلة في الأدب الاختلاف، وذلك بالتنازل عن ذكر صفته- وهى الرسالة- عند تسجيل معاهدة الحديبية، بل والتنازل عن ذكر البسملة بصورتها المعهودة، اكتفاء بكلمة (باسمك اللهم)، وذلك نزولا
المقدمة / 10