(٥/ ٥)
تمثل صياغة الغزوات الكبرى- كبدر وأحد والخندق- دوال بارزة على الطرائق التى اعتمدها الطهطاوى في تشكيل الغزوة بوصفها واحدة سردية وسطى، وتتبدى فيها الفعاليات المختلفة لتقنيتى الإيجاز والحذف والاستطراد وتوظيف الشعر في إطار السرد، كما تبرز فيها الطريقة التى يعتمدها الكاتب الراوى لتنظيم الوقائع التى يقدمها، وهى طريقة تتضمن دلالات متعددة، وستكشف دراسة الواحدة السردية الوسطى عن هذه الجوانب جميعا، وذلك ما سيتحقق عبر المقارنة بين نص الطهطاوى ونصوص السابقين عليه من كتاب السيرة النبوية.
وردت وقائع غزوة بدر عند كتاب السيرة المطولة كابن هشام، وكتاب المغازى كالواقدى، وكتاب النمط المشروح كابن سيد الناس، كما وردت لدى كتاب النمط المختصر كابن عبد البر وابن حزم، بينما وضعها الطهطاوى في إطار ظواهر السنة الثالثة للهجرة (٨٦) ورغم ما يشير إليه ذلك من جعلها تابعة للإطار الزمنى المتمثل فى إفراد الحوادث وضمها إلى سنوات حدوثها، فإن ذلك لا ينفى أهمية هذه الواحدة فى إطار ذلك التقسيم الزمنى.
إن كل كاتب من أولئك الكتاب يمكن وصفه بأنه الراوى الأساسى لأنه هو الذى يقوم باختيار الوقائع، واستبعاد بعضها، وإيجاز بعضها الاخر، ثم يقوم- فى النهاية- بعملية تنظيم المرويات المختلفة، وإن اختلفت- بطبيعة الحال- ماهية هذه العمليات لدى كل واحد من هؤلاء الرواة.
ويبدو لدى كتاب النمط المطول اهتمام واضح بتقديم سلاسل الأسانيد التى نقلت المرويات، فالواقدى ساق، فى بداية كتابه، أسماء الرواة الذين نقل عنهم مغازيه قائلا إن كلّا منهم (قد حدثنى بطائفة، وبعضهم أوعى لحديثه من بعض، وغيرهم قد حدثنى أيضا فكتبت كل الذى حدثونى) (٨٧) . ولذا بدأت معظم مروياته بعبارة" قالوا" إشارة إلى أن مضمونها أو متنها منقول عن هؤلاء الرواة أو معظمهم، بينما كان يتوقف في بداية خبر من الأخبار المفردة- التى تقدم جانبا مختلفا أو متناقضا مع الأخبار المنقولة عن مجموعة الرواة الذين نقل عنهم- ليقدم سلسلة الرواة الذين نقلوا هذا الخبر. على حين تبدو الأخبار عند ابن هشام متتابعة
المقدمة / 48