على مهام تقنية الاستطراد التعليمى المباشر لدى الطهطاوى؛ فبينما لا يحتل سرد الطهطاوى لوقائع الإسراء والمعراج سوى مساحة محدودة تزيد قليلا عن الصفحة، ملتقيا في هذا مع ابن عبد البر وابن حزم (٦٧) - فإنه يجنح إلى استطرادات مختلفة معظمها يدور حول مسائل كلامية ناتجة عن الإسراء والمعراج (٦٨) وهى تمضى على النحو التالى:
مسألة شق الصدر (١٢٥)، ماء زمزم وأفضليته (١٢٦- ١٢٧)، ضرورة الامتثال للأفعال التى أمرنا الله بها (١٢٩)، كيفية الإسراء: هل كان بالروح والجسد أم بالروح فقط (١٣٠- ١٣٢) رؤية النبى (ص) لله (١٣٢- ١٤٠)، ثم مسألة رؤية المؤمنين النبى في الدنيا وفي المنام (١٤١- ١٤٤)، ويتناول أخيرا مسألة المفاضلة بين الليل والنهار (١٤٤- ١٤٨)، وليس غريبا أن تكون تلك المفاضلة قد نتجت عن كون الإسراء ليلا.
ومن اللافت أن هذا النمط من الاستطراد قد تحول لدى الطهطاوى إلى وسيلة تجعل من بنية بعض الواحدات السردية الكبرى بنية قائمة على سرد وقائع هذه الواحدة، من ناحية، وتقديم استطرادات تعليمية تمثل قطعا متكررا لمسار تلك الوقائع، من ناحية أخرى. ويشكل سرد الطهطاوى لواحدة الهجرة نموذجا دالا على ذلك، حيث يراوح الطهطاوى بين قص الوقائع، وتقديم استطرادات تعليمية مباشرة يتصف معظمها بالطول (٦٩) .
ويبدو الاستطراد بنمطيه تقنية راسخة في بعض كتابات الطهطاوى غير الأدبية (٧٠)، واللافت أن الطهطاوى كان يدرك أن الاستطراد خصيصة متواترة في كتاباته التاريخية والأدبية، وكان يبرر اعتماده عليه بالغاية التعليمية التى تهدف إلى تبصير المتلقى؛ إذ يصف كتابه" أنوار توفيق الجليل" بأنه (اشتمل على ذكر الحنفاء والخلفاء والعلماء
والسلاطين والأساطين والأمراء والوزراء، وجميع ما اقتضاه فن الاستطراد، وأوجبته المناسبة وحكم به الأسلوب الحكيم لبيان المرام والمراد) (٧١) . كما نص الطهطاوى- فى سرده لوقائع غزوة بدر- على بعض استطراداته.
إن بروز الاستطراد تقنية أساسية في كتابة الطهطاوى السيرة النبوية دال يقرن
المقدمة / 44