निहायत अकदम
نهاية الإقدام في علم الكلام
शैलियों
قالت المعتزلة نحن نوافقكم على أن الباري تعالى متكلم لكن حقيقة المتكلم من فعل الكلام فهو فاعل الكلام في محل بحيث يسمع ويعلم أنه كلامه ضرورة لأنه لو كان المتكلم من قام به الكلام كما ذهبتم إليه وجب أن يكون كلامه إما قديما وإما حادثا وإن كان قديما ففيه إثبات القديمين ويرجع القول إلى مسئلة الصفات ومما يختص بهذه المسئلة من الاستحالة أنه لو كان قديما وهو أمر ونهي لزم أن يكون كلاما مع نفسه من غير مأمور ولا منهي ومن المحال الذي لا يتمارى فيه أن القول بأنا أرسلنا نوحا إلى قومه ولا نوح ولا قومه إخبار عما ليس كما هو فهو مع استحالته كذب ومع كذبه محال وقوله اخلع نعليك لموسى ولا موسى ولا طور ولا الوادي المقدس طوى خطاب المعدوم والمعدوم كيف يخاطب وكذلك جميع ما في القرآن من الأوامر والنواهي والأخبار فوجب أن يكون الكلام يحدث عند حدوث المخاطب في الوقت الذي يصل الخطاب إليه فيكون الكلام حادثا ثم إما أن يحدث في ذاته كما صارت إليه الكرامية فيكون محلا للحوادث وذلك باطل وإما أن يحدث لا في محل أو في محل ولا بد من محل فإنه حرف والحرف تقطيع صوت والصوت في الجسم متصور فتعين أنه في جسم.
قالت الأشعرية بنيتم مذهبكم على قاعدتين أحديهما تسليمكم كون الباري تعالى متكلما والثانية أن حد المتكلم وحقيقته من فعل الكلام فأما الأولى فلو نازعكم الصابي والفيلسوف في كونه متكلما فما دليلكم في ذلك عليهما وعندكم الكلام فعل الباري تعالى كسائر الأفعال ولا يرجع إليه حكم الكلام إلا أنه فاعل صانع فما الدليل على أنه متكلم أعني يوصف بمعنى يقوم بمحل آخر فما الفرق بين مذهبكم وبين مذهب من قال أنه يخلق فعلا يفهم عند ذلك أنه تعالى يريد من العبد فعلا أو يكرهه وإن أضيف إليه الكلام كان مجازا كما قال تعالى خطابا للسماء والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فلم يجز من حيث الحقيقة كلام هو اقتضاء وأمر وإيجاب من الله تعالى ولا تسلم وائتمار واستيجاب من السماء والأرض من حيث القول.
قالوا طريقنا في إثبات كونه متكلما هو المعجزات الدالة على صدق قول الأنبياء عليهم السلام وهم الصادقون المخبرون عن الله تعالى أنه قال كذا وأمر بكذا ونهى عن كذا.
قيل لهم قد سددتم على أنفسكم هذه الطريقة بوجوه أحدها أنكم زعمتم أنه لو لم يبعث الله رسولا كان على العاقل البالغ في عقله وجوب معرفة الله تعالى وعلى الباري تعالى وجوب ثوابه فلو لم يبعث الله رسولا فبم كنتم تثبتون كونه متكلما والثاني مصيركم إلى أن الكلام فعل من الأفعال فما دليلكم على أنه فعل ذلك الفعل الخاص إذ ليس كل مقدور فهو واقع بفعل الله تعالى والثالث زعمتم في الإرادة أنها مخلوقة لا في محل وفي الكلام أنه مخلوق في محل وفي الأمرين جميعا يرجع الحكم الأخص إلى الباري تعالى فما الفرق بين البابين.
ثم نقول ليس يشك العاقل أن الكلام معنى من المعاني سواء كان ذلك المعنى عبارة منظومة من حروف منظومة وأصوات مقطعة أو كان صفة نفسية ونطقا عقلية من غير حرف وصوت وكل معنى قائم بمحل وصف المحل به لا محالة وذلك المعنى من حيث هو مخلوق مفعول ينسب إلى الفاعل ومن حيث هو معنى قام بمحل فينسب إلى المحل فمحل المعنى موصوف به لا محالة فالذي وصف الفاعل به هو وجه حدوثه منتسبا إلى ذاته القابلة له الموصوفة به وهذان وجهان معقولان ليس يتمارى فيهما عاقل فجعلهما وجها واحدا حتى يكون معنى كونه فاعلا هو معنى كونه موصوفا به خروج عن المعقول ومكابرة العقل ولا يرتفع المعنى المعقول بالاصطلاح على أن معنى المتكلم هو الفاعل للكلام.
पृष्ठ 97