أما تعطيل الباري سبحانه عن الصفات الذاتية والمعنوية وعن الأسماء والأحكام فذلك مذهب الإلهيين من الفلاسفة فإنهم قالوا واجب الوجود لذاته واحد من كل وجه فلا يجوز أن يكون لذاته مبادئ تجتمع فيتقدم واجب الوجود لا أجزاء كمية ولا أجزاء حد سواء كانت كالمادة والصورة أو كانت على وجه آخر بأن يكون أجزاء لقول الشارح لمعنى اسمه ويدل كل واحد منهما على شيء هو في الوجود غير الآخر بذاته وذلك لأن ما هذا صفته فذات كل واحد منه ليس ذات الآخر ولا ذات المجتمع وإنما تعينه واجب بالذات فليس يقتضي معنى آخر سوى وجوده وإن وصف بصفة فليس يقتضي ذلك معنى غير ذاته واعتبارا ووجها غير وجوده بل الصفات كلها إما إضافية كقولنا مبدأ العالم وعلة العقل كما تقولون خالق ورازق وأما سلبية كقولنا واحد أي ليس بمتكثر وعقل أي مجرد عن المادة وقد يكون تركيبه من إضافة وسلب كقولنا حكيم مريد وسيأتي شرح ذلك في كتاب الصفات فألزم عليهم مناقضات.
منها أنهم أطلقوا لفظ الوجود على الواجب بذاته وعلى الواجب لغيره شمولا وعموما على سبيل الاشتراك ثم خصصوا أحد الوجودين الوجوب والثاني بالجواز ومن المعلوم أن الوجوب لم يدخل في معنى لوجود حتى يتصور الوجود فهذا إذا معنى آخر وراء الوجود والمعنيان أن اتحدا في الخارج من الذهن فقد تمايزا في العقل مثل العرضية واللونية وليس يغني عن هذا الإلزام قولهم إطلاق لفظ الوجوب على الواجب بذاته والجائز لذاته بالتشكيك أي هو في أحدهما أولى وأول وفي الثاني لا أولى ولا أول إذ الأولى والأول فصل آخر تميز به أحد الوجودين عن الثاني وذلك يؤكد الإلزام ولا يدفعه.
ومن الإلزامات كونه مبدأ وعلة وعاقلا ومعقولا فإن اعتبار كونه واجب الوجود لذاته لا يفيد اعتبار كونه مبدأ وعلة واعتبار كونه مبدأ وعلة لا يفيد اعتبار كونه عقلا وعاقلا ومعقولا فإن ساغ لكم الحكم بتكثير الاعتبارات ساغ للمتكلم إثبات الصفات وتعطيله عن الصفات تعطيل عن الاعتبارات وأما الباري عن الصفات والأسماء والأحكام أزلا وأبدا وما صار إليه صائر إلا شرذمة من قدماء الحكماء قالوا إن المبدع الأول آنية أزلية وهو قبل الإبداع عديم الاسم فلسنا ندرك له اسما في نحو ذاته وإنما أسماؤه من نحو آثاره وأفاعيله وأبدع الذي أبدع ولا صورة له عنده في الذات أي لا علم ولا معلوم وإنما العلم والمعلوم في المعلول الأول الذي هو العنصر فهم المعطلة حقا ونقل عن بعض الحكماء أنهم قالوا هو هو ولا نقول موجود ولا معدوم ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ولا مريد ولا كاره ولا متكلم ولا ساكت وكذلك سائر الأسماء والصفات وينسب هذا المذهب إلى الغالية من الشيعة والباطنية ولا شك أن من أثبت صانعا لم يكن له بد من عبارة عنه وذكر اسم له ثم الاشتراك في الأساسي ليس يوجب اشتراكا في المعاني فهاؤلاء احترزوا عن إطلاق لفظ الوجود عليه وما أشبهه من الأسماء لأحد أمرين أحدهما لاعتقادهم أن الاشتراك في الاسم يوجب اشتراكا في المعنى فيتحقق له مثل ذلك الوجه والثاني لاعتقادهم أن كل اسم من الأسامي التي تطلق عليه يقابله اسم آخر تقابل التضاد مثل الموجود يقابله المعدوم والعالم يقابله الجاهل والقادر يقابله العاجز فيتحقق له ضد من ذلك الوجه فاحترزوا عن إطلاق لفظ وجودي أو عدمي لكيلا يقعوا في التمثيل والتعطيل ونحن نعلم بأن الأسامي المشتركة هي التي تختلف حقائقها من حيث المعاني فإن اسما الباري تبارك وتعالى إنما تتلقى من السمع وقد ورد السمع أنه سبحانه عليم قدير حي قيوم سميع بصير لطيف خبير وأمرنا أن ندعوه عز وجل بأحسن الأسمين المتقابلين كما قال تعالى: " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون " ولم يحترز هذا الاحتراز البارد ولا تكلف هذا التكلف الشارد.
पृष्ठ 43