ونقول التقدر بالأشكال والصور والتغير بالحوادث والغير دليل الحدوث فلو كان الباري سبحانه متقدرا بقدر متصورا بصورة متناهيا بحد ونهاية مختصا بجهة متغيرا بصفة حادثة في ذاته لكان محدثا إذ العقل بصريحه يقضي أن الأقدار في تجويز العقل متساوية فما من قدر وشكل يقدره العقل إلا ويجوز أن يكون مخصوصا بقدر آخر واختصاصه بقدر معين وتميزه بجهة ومسافة يستدعي مخصصا ومن المعلوم الذي لا مراء فيه أن ذاتا لم تكن موصوفة بصفة ثم صارت موصوفة فقد تغيرت عما كانت عليه والتغير دليل الحدوث فإذا لم يستدل على حدوث الكائنات إلا بالتغير الطارئ عليها وبالجملة فالتغير يستدعي مغيرا خارجا من ذات المغير والمقدر يستدعي مقدرا.
فإن قيل بم تنكرون على من يقول إن القدر الذي اختص به نهاية وحد واجب له لذاته فلا يحتاج إلى مخصص والمقادير التي هي في الخلق إنما احتاجت إلى مقدر لأنها جائزة وذلك لأن الجواز في الجائزات إنما يعرف بتقدير القدرة فلما كانت المقادير الخلقية مقدورة عرف جوازها واحتاج الجواز إلى مرجح فإذا لم يكن فوق الباري سبحانه قادر يقدر عليه لم تكن إضافة الجواز وإثبات الاحتياج له ألسنا اتفقنا على أن الصفات ثمان أفهي واجبة له على هذا العدد أم جائز أن توجد صفة أخرى.
فإن قلتم يجب الانحصار في هذا العدد كذلك نقول الاختصاص بالحد المذكور واجب له إذ لا فرق بين مقدار في الصفات عددا وبين مقدار في الذات حدا.
فإن قلتم جائز أن توجد صفة أخرى فما الموجب للانحصار في هذا الحد والعدد فيحتاج إلى مخصص حاصر.
والجواب قلنا المقادير من حيث أنها مقادير طولا وعرضا وعمقا لا تختلف شاهدا وغائبا في تطرق الجواز العقلي إليها واستدعاء المخصص فإنا لو قدرنا مثل ذلك المقدار بعينه في الشاهد تطرق الجواز العقلي إليه واختصاصه به دون مقدار آخر يستدعي المخصص وتطرق الجواز إلى الجائزات لا يتوقف على تقدير القدرة عليها بل معرفة ذلك بينة للعقل ضرورية حتى صار كثير من العقلاء إلى أن العقل نفسه عبارة عن علوم ضرورية هي معرفة الجواز في الجائزات والاستحالة في المستحيلات والوجوب في الواجبات وتقدير القدرة عليها إنما يحتاج إليه في ترجيح أحد الجائزين على الثاني لا في تصور نفس الجواز.
وهذه نكثة قد أغفلها كثير من أصحاب الكلام وأما الصفات وانحصارها في ثمان فقد اختلف الجواب عنه بوجوه منها أنهم منعوا إطلاق لفظ العدد عليها فضلا عن الثمانية.
وقالوا قد دل الفعل بوقوعه على أن الفاعل قادر وباختصاصه ببعض الجائزات على أنه مريد وبأحكامه على أنه عالم وعلم بالضرورة أن القضايا مختلفة وورد في الشرع إطلاق العلم والقدرة والإرادة ولا مدلول سوا ما دل الفعل عليه أو ورد في الشرع إطلاقه ولهذا اقتصرنا على ذلك فلو سئل هل يجوز أن يكون له صفة أخرى اختلف الجواب عنه فقيل لا يتطرق الجواز إليه فإنا لم نثبت له الصفات بطريق التجويز العقلي بل بدليل الفعل والفعل ما دل إلا على تلك الصفات وقيل يجوز عقلا إلا أن الشرع لم يرد به فيتوقف في ذلك ولا يضرنا الاعتقاد إذا لم يرد به تكليف فينسب إلى المكلف تقصير ومنها أنهم فرقوا في الشاهد بين الصفات الذاتية التي تلتئم منها حقيقة الشيء وبين المقادير العرضية التي لا مدخل لها في تحقيق حقيقة الشيء فإن الصفات الذاتية لا تثبت للشيء مضافة إلى الفاعل بل هي له من غير سبب والمقادير المختلفة تثبت للشيء مضافة إلى الفاعل فإن جعلها له بسبب ومنها أنهم قالوا لو قدرنا صفة زائدة على الصفات الثمانية لم يخل الحال فيها إما أن تكون صفة مدح وكمال أو تكون صفة ذم ونقصان فإن كانت صفة كمال فعدمها في الحال نقص وقد اتصف الباري سبحانه بصفات الكمال من كل وجه وإن كانت صفة نقصان فعدمها عنه واجب وإذا بطل القسمان تعين أنه لا يجوز أن يتصف بصفة زائدة على الصفات الذاتية ويترتب على ما ذكرناه أنه هل يجوز لباري سبحانه أخص وصف لا ندركه وفرق بين هذا السؤال والسؤال الأول فإن السائل الأول سأل هل يجوز أن تزيد صفة على الصفات الثمانية والسائل الثاني سأل هل له أخص وصف به يتميز عن المخلوقات.
पृष्ठ 36