निहायत अकदम
نهاية الإقدام في علم الكلام
शैलियों
قال أهل الحق الدليل على صدق نبينا عليه السلام الكتاب الذي جاء به هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ووجه دلالته على صدقه من حيث لفظه البليغ ومعناه المبين فنقول كما تميز نوع الإنسان عن أنواع الحيوانات بالنطق المعبر عن الفكر وصار ذلك شرفا وكرامة له كما قال تعالى " ولقد كرمنا بني آدم " كذلك تميز لسان العرب ولغتهم من سائر الألسن واللغات بأسلوب آخر من عذوبة اللسان ورطوبة اللفظ وسهولة المخارج والتعبير عن متن المعنى الدائر في الضمير بأوضح عبارة وأصح تفسير وصار ذلك شرفا وكرامة لهم كما قال تعالى " بلسان عربي مبين " وكذلك تميز لسان النبي صلى الله عليه وسلم من لسان العرب بأسلوب آخر من الفصاحة المبينة والبلاغة الفائقة والبراعة المطابقة لما في ضميره من المعاني المبينة والحقائق الرزينة كما لا يخفى على من أنصف واعتبر واختبر كلماته واستبصر وصار ذلك شرفا وكرامة كما قال " لتبين للناس ما نزل إليهم " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أنا أفصح العرب وأنا أفصح من نطق بالضاد " وكذلك تميز القرآن عن سائر كلماته بأسلوب آخر خارج عن جنس كلام العرب وعن كلماته أيضا وبنوع آخر من الفصاحة والجزالة والنظم والبلاغة ما لم تعهده العرب في نظمهم ونثرهم وسجعهم وشعرهم بحيث لو قوبل أفصح كلماتهم بسورة واحدة من القرآن كان التفاوت بينهما أكثر من التفاوت بين لسان العرب وبين سائر الألسن ولو خاير مخاير بين كلمات النبي نفسه وبين ما نزل عليه من الكتاب المهيمن على الكتب كلها كان الفرق بينهما فرق ما بين القدم والفرق والصرف بينهما صرف ما بين الولاية والصرف فعلم ضرورة وقطعا أن الذي جاء به وحي يوحى إليه وتنزيل ينزل عليه دلالة له على صدقه ومعجزة له على فصحاء العرب وبلغاء أهل اللسان وشعراء ذلك الزمان فتحدى بذلك تحدي التعجيز عن الإتيان بمثله كتابا وقرآنا " قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما " ثم ثنى ذلك فقال " فأتوا بحديث مثله " ولما عجزوا عن الإتيان بمثله نزل عن ذلك حين قال القوم إنه افتراه فقال " قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات " ونزل عن العشر إلى سورة مثله فقال تعالى " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين " ولما ظهر عجزهم وبان خزيهم أنذرهم صاحب التنزيل وحذرهم المتحدي بالدليل " فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " وكيف لا يكون التعجيز ظاهرا ظهور الشمس والكتاب يقرأ عليهم " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن " الآية أفلم يكن بليغ من بلغاء العرب وفصيح من فصحائهم يتصدى لمعارضة هذه الدعوى العريضة الواسعة لنوعي الجن والإنس وقد خبروا بين معارضة القرآن والخروج بالسيف والسنان فكيف اختاروا الأشد على الأضعف وآثروا ما فيه بذل المهج والنفوس واستحلال النساء واسترقاق الأولاد واستباحة الأموال على أهون الأمور وأيسر ما في المقدور وهو معارضة سورة واحدة أفلا يكون ذلك عجزا ظاهرا ونكولا واضحا وإن استراب في ذلك مستريب تشكيكا لنفسه في مظان القطع واليقين وتسييعا للغزالة بالطين فالنقد حاضر لم يبدل ولسان القرآن على رأس التحدي كما ورد في الخبر القرآن حي يجري كما يجري الليل والنهار ولسان المعارض عي عن المعارضة من مدة خمس مئة سنة وزيادة وبلغاء العرب قد اجتمعت لهم متانة الشعر في العصر الأول ولطافة الطبع من العصر الأخير أو لم يفدنا عجز الأولين والآخرين دلالة ظاهرة على أن مضمون القرآن حق وأن قول من أتى به صدق كيف ولو اعتبرت سورة بسورة اعتبار متأمل فيها منصف صادف كل سورة على حيالها اشتملت على صنف من الفصاحة وضرب من البلاغة والجزالة ولم تشاركها في ذلك سورة أخرى وربما تكون القصة واحدة والتعبير عنها مختلف اختلافا لا يخل بالمعاني ويكون أسلوب النظم والبلاغة نوعا آخر يباين الأولى واختبر هذا المعنى في قصة مثناة وبالخصوص في قصة موسى عليه السلام في سورة المص وقصته في سورة طه فمن ذا الذي يقدر على مثل ذلك من البشر وكيف يصل إلى غايته القوة المنطقية الإنسانية ولهذا لما فطنت البلغاء من العرب لبديع النظم والجزالة فيه قالوا إن هذا إلا سحر يؤثر هذا من حيث اللفظ.
पृष्ठ 156