निहायत अकदम
نهاية الإقدام في علم الكلام
शैलियों
قال الأشعري الإدراكات من قبيل العلوم على قول ورأي وهو جنس آخر على قول فمن قال بالقول الأول فيقول هو مماثل للعلوم ولا يفترقان إلا في أن أحد العلمين يستدعي تعيين المدرك والعلم من حيث هو علم لا يستدعي تعيين المدرك فلا جرم بقول العلم يتعلق بالمعدوم والإدراك لا يتعلق به إذ المعدوم لا يتعين ولا تظنن أن هذا الرأي هو مذهب الكعبي فإنه لم يثبت لإدراك معنى أصلا والأشعري أثبت له معنى وقال هو من جنس العلوم فعلى هذا القول الرب تعالى سميع بصير بإدراكين هما علمان مخصوصان وراء كونه عالما هو مدلول الأحكام والإتقان ومن قال بالقول الثاني استدل بأن العلم بالشي إذا أضيف على علم آخر به واتحد المتعلق واستوى العلمان في صفات النفس لم يتصور اختلافهما فلما وجدنا في أنفسنا اختلافا بين العلم والإدراك وأحسسنا تفرقة بين المعلوم خبرا وبين المرئي عيان مع اتحاد المتعلق واستواء الأمر في الحدوث علمنا أن الجنسين مختلفان وأيضا فإن الأكمه لو أحاط علما بما أحاط به البصير حصل له كل علم سوى الإدراك فدل أنه زائد على العلم على أن هذا يشكل بقاعدة من لم يجعل البنية شرطا فإنه جوز أن يخلق الله تبارك وتعالى الروية في القلب والعلم في البصر فحينئذ يلتبس العلم بالإدراك ويلزم أن يسمع السامع بالبصر ويبصر بالسمع ويشم بحاسة الذوق ويذوق بحاسة الشم ويلزم أن تكون حاسة واحدة هي سامعة مبصرة شامة ذائقة لامسة وإنما اختص كل إدراك بحاسة خاصة في خلقه وكذلك يجوز أن تكون أمور حاضرة لا نحسها وأمور غائبة نبصرها ولكن العادة الجارية أمنتنا من ذلك أليست الملائكة كانت تحضر مجلس النبوة والقوم حضور والأعين سليمة وهم لا يبصرون أليست الشياطين والجن يطوفون في البلاد ويسرحون في الأرض وإن إبليس هو يرانا وقبيله من حيث لا نراه فبطلت تلك التهويلات والتشنيعات التي ألزمها الخصم.
وأما جواب الجبائي عن القاعدة التي صار إليها من حد السميع والبصير أنه الحي الذي لا آفة به قيل أطلقت القول بنفي الآفة وذلك بالاتفاق ليس بشرط فإن السميع والبصير قد يكون ذا آفة وذا آفات كثيرة فلا بد وأن يخص نفي الآفة بمحل الإدراك ثم تلك الآفة يجب أن تكون مانعة من الإدراك فقد أثبت الإدراك من حيث نفاه ثم الذي يحسه الإنسان من نفسه معنى موجود لا نفي محض.
وقولهم لا آفة به نفي محض فلا يتصور الإحساس به ويستحيل أن ترجع التفرقة بين حالتي الإدراك وعدم الإدراك إلى عدم محض فحينئذ تنعدم التفرقة فإن التفرقة بالعدم وعدم التفرقة سوي.
ثم نقول نحن نجد تفرقة ضرورية بين كون الإنسان سميعا وبين كونه بصيرا وهما متفقان في أن معنى كل واحد منهما أنه حي لا آفة به فهذه التفرقة ترجع إلى ماذا فلا بد من أمرين زائدين على كونه حيا لا آفة به حتى يكون بأحدهما سميعا وبالثاني بصيرا وإلا فتبطل التفرقة الضرورية فالذي انفصل به السمع عن البصر وهو وراء كونه حيا لا آفة به فكذلك الذي انفصل به السمع والبصر عن العلم وسائر الصفات وراء كونه حيا لا آفة به ولئن ألزم الجبائي بأن يقال معنى كونه عالما قادرا أنه حي لا آفة به حتى يرد الصفات كلها إلى كونه حيا لا آفة به لم يجد عن هذا الإلزام مخلصا.
وقد قال بعض العقلاء وقرر أن جميع صفات الكمال تجتمع في كونه حيا وتنتفي صفات النقص بقولنا لا آفة به وأما اشتراطهم البنية حسب اشتراط الحياة غير صحيح فإن الإدراك الواحد لا يقوم إلا بجزء واحد من الجملة وإذا قام به أفاد حكما له ولا أثر للجواهر المحيطة فإن كل جوهر مختص بحيزه موصوف بأعراضه وكما لا يؤثر جوهر في جوهر لا يؤثر حكم جوهر في جوهر آخر ولا يختلف حكم جوهر بعينه في تفرده وانضمامه وإذا جاز قيام الإدراك به مع اتصاله بالجواهر جاز قيامه به مع تفرده فإنه لا يتحول عن صفته تفرد أو انضم إلى غيره خصوصا إذا كان الإدراك في صفة نفسه لا يقتضي جمعا وإضافة ونسبة ولم يكن من الأعراض الإضافية بخلاف الاجتماع والافتراق والمماسة ثم لو كانت البنية شركا كاشتراط كونه حيا لوجب طرده في الغائب حتى يكون الباري تعالى في علمه وقدرته ذا بنية كما كان حيا لأن الشروط يجب طردها شاهدا وغائبا.
पृष्ठ 121