नीत्शे: एक बहुत ही संक्षिप्त परिचय
نيتشه: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
ولكن يبدو أن ثمة معيارا واحدا بالفعل يظهر لأول مرة في كتابه الأول ويستمر حتى نهاية أعماله، والذي يحكم به في نهاية المطاف على كل شيء آخر؛ ألا وهو: الحياة. لقد رأيناه يقول في «ما وراء الخير والشر»: إن خطأ حكم ما لا يشكل بالضرورة مأخذا على الحكم، فالمسألة هي إلى أي مدى يكون الحكم منميا للحياة، ومحافظا عليها. وفي نفس العام الذي كتب نيتشه فيه «ما وراء الخير والشر» كتب العديد من المقدمات المختلفة لبعض من كتبه السابقة، من بينها كتاب «مولد المأساة»، الذي ذكرت فيه «الحياة» مجددا بوصفها مقياسا لكل شيء: إن «النظر إلى العلم بمنظور الفنان، وإلى الفن بمنظور الحياة» هو ما يقول عنه في «محاولة في نقد الذات» أنه «المهمة التي تجاسر هذا الكتاب الجريء على تناولها لأول مرة.» ولكن السؤال هنا هو: الحياة في مواجهة ماذا؟ هذا أمر لا يقدم له نيتشه أبدا إجابة واضحة، ليس أكثر مما فعل فنانون وفلاسفة آخرون متميزون. إنه بالتأكيد غير مهتم ب «حجم» الحياة. إنه في الواقع كان يفضل قدرا أقل، ومكانة أسمى. ولكن ما المكانة الأسمى للحياة؟ حسنا، سيتخيل المرء الإنسان الأسمى. ولكننا رأينا أن المرء يجب أن يتخيل الكثير عن الإنسان الأسمى، ذلك الشيك المصدق عليه على بياض الذي يقدمه زرادشت دون أي توجيهات حول كيفية صرفه لنستفيد منه. القوة؟ هذا بالتأكيد جزء مهم، بما أن الحياة هي إرادة القوة. ولكن ليست كل القوة يوافق عليها نيتشه. فلا يمكن ذلك وإلا لوافق على كل شيء. والقوة والحياة، في فلسفته، مصطلحان كثيرا ما يقعان في نفس الإطار المفاهيمي لدرجة أنه بدلا من أن يوضح أحدهما الآخر، يبدو أن كليهما في حاجة إلى بعض الشرح المنفصل.
اتسم جميع العظماء الذين دافعوا عن الحياة بوصفها معيارا مطلقا - ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر المسيح وبليك ونيتشه وشفايتزر ودي إتش لورانس - بالحماس البالغ في إدانتهم لقدر كبير منها، لصالح صور أو تنويعات أخرى أكبر قيمة. وبطريقة ما، يفهم المرء ما يقصدونه جميعا، على الرغم من أن البكتيريا لو استطاعت أن تتكلم لطالبت بلا شك بكل حقها في الحياة مثل الكائنات الأكبر حجما التي كان شفايتزر يتخلص من البكتيريا لصالحها. وما اعتبره الأشخاص الخمسة الذين ذكرتهم أنه «متحيز للحياة» أو «منكر للحياة» يتباين بدرجة كبيرة في العديد من النواحي. ومع ذلك، فلا يبدو أنهم يتشدقون ب «كلام تافه» عند حديثهم لصالح الحياة، على الرغم من الغموض الذي يعتريهم والذي لا يفيد غالبا في اتخاذ أي قرارات. فما يقصده نيتشه غالبا هو شيء أقرب إلى النشاط أو حتى الحيوية. ويتضح هذا على نحو متزايد في أحكامه عن الفن، حيث يكون المقياس، في كتاباته اللاحقة والأخيرة، ما إن كان الفن يعكس إفراطا من جانب صانعه، أو ما إن كان ناتجا عن الحاجة والحرمان. ونظرا لأن فاجنر يعد مثالا للحالة الثانية، فإنه مدان، إذا تبنينا القضية الشائعة.
إنه لمن الواضح على الأقل أن الحيوية شرط ضروري، إن لم يكن كافيا، لموافقة نيتشه على أي شيء في أعماله اللاحقة. فشخصية مثل جوته (بوصفها موضوعا لبعض الأساطير التي ابتدعها نيتشه، بطبيعة الحال) مبجلة بسبب كم الدوافع المتنوعة التي استطاع تنظيمها واستغلالها، خلال حياة تتسم تقريبا بإنتاج منقطع النظير في مجالات شتى ومتنوعة. ومع هذا (إذا عدنا للحظة إلى أسلوبه)، فإن كل ما أنجزه نيتشه يحمل بصمته. لكن ثمة صراع قوي ومزعج يربض أسفل سطح المعيار الذي وضعه نيتشه. يذكر هنري ستاتين - الذي يتمحور كتابه الرائع الذي سبق أن استعرنا منه بالفعل اقتباسا مطولا - جزءا خطيرا منه باقتضاب:
من ناحية، ثمة تنظيم عام يضم كلا من الصحة والمرض، ومن ناحية أخرى، لا يستطيع نيتشه أن يحرم نفسه من إحساس الرضا بعزف سيمفونية الهيمنة القوية على قوى المرض. ومسألة العلاقة بين هذه القوى مرتبطة أيضا بمسألة هوية نيتشه.
ستاتين، 1990: 30
المقصود من ذلك أن نيتشه منجذب إلى نهج الإقرار العام، مثلما يبين التكرار الأبدي، لو كان يبين أي شيء. ولكن حركة التأكيد يجابهها بقوة نفور مستعص من كل ما يصادفه تقريبا، ويقينا وسط معاصريه. ويشبه هذا الصراع إلى حد ما الصراع المرتبط بالحياة: كل الحياة، أم فقط النوع الأقوى والأفضل والأنبل؟
إنه لمن المدهش أن نيتشه - بقدر ما أستطيع أن أتبين - لم يلحظ قط هذا الانقسام الفج في عمله، خصوصا من حيث إنه يجب أن يعكس أزمات خاضها في محاولته للتأقلم مع حياته الشديدة الألم. ويمكن رؤيته أيضا بوصفه تخمينا من أبوللو وديونيسيوس في «مولد المأساة»؛ إذ يمثل أبوللو الحياة بطريقة مقبولة ومحتملة، من خلال إقصاء أعماق العالم السفلي، في حين لا يتجاهل ديونيسيوس شيئا؛ مما يجبرنا على مواجهة الأهوال الجوهرية في الوجود. لو لم يجد نيتشه نفسه مضطرا، لأسباب كثيرة، إلى التخلي عن ميتافيزيقا الفنان في «مولد المأساة»، لأنشأ لنفسه نظاما يحقق العدالة للدوافع المتضاربة الموجودة في تكوينه، بالإضافة إلى تفسير لسبب امتلاكه إياها.
ولكن لم يمر وقت طويل قبل أن يصبح مفهوم «الأسوأ» - الذي يعنى به الأمور التي بالكاد نطيق أن نتحملها - له أهمية مختلفة إلى حد ما بالنسبة إلى نيتشه مقارنة بتلك الأهمية التي بشر بها في «مولد المأساة». فهذا المفهوم في ذلك الكتاب دراماتيكي، أو شيء متعلق في العادة بالمعاناة، وأحيانا بالسعادة، على نطاق بدائي. وإقراره أمر رائع مثلما هو مستحيل تقريبا، إلا لدى التراجيديين العظماء. وهنا يكشف نيتشه على نحو سافر عن فجاجته وقلة خبرته. ولكن بعد اكتساب الخبرات، بل الكثير من الخبرات في وقت قصير، اتضح أنه على الرغم من أن بعضها كان مروعا إلى حد يمكن ملاحظاته، دون مبالغة كبيرة، برعاية ديونيسيوس؛ فإن الغالبية العظمى كانت من ذلك النوع الذي لم يكن مسموحا به في «مولد المأساة»، والذي ترك نيتشه متحيرا؛ فقد كانت عادية وصغيرة وليست أضخم من المعاناة الناتجة عن عدد كبير من لسعات الحشرات. واتضح أن أصعب ما يمكن مواجهته، على الأقل لو كنت مكان نيتشه، هو الابتذال، ذلك ما يعتبر إهانة موجهة إلى الآلهة المتمتعة بالحس الفني لو نسب إلى أي منهم. ومن ثم فهو عاجز عن وضع الصورة الفنية السائدة «بلا منازع» في القرن التاسع عشر، وأقصد الرواية الواقعية، ضمن أي تصنيف فني. كما يوجد، بالطبع، نقيض الرواية، وأقصد الموسيقى غير الغنائية، المزدهرة بطريقة ما وعلى نطاق غير مسبوق في الثقافة الغربية. بيد أن الموسيقى قد لعبت دورها الحقيقي عندما كانت جزءا من التراجيديا. الآن نجد انفصاما مروعا بين الدنيوي، الذي من الواضح أنه غير عرضة لأي صورة من التحول الفني، والموسيقى «الخالصة» التي لم تتلوث روعتها وبؤسها ب «الواقع». وقد أدت محاولة دمجهما معا إلى خداع فاجنر، وهو الأمر الأشد إيلاما؛ لأنه الأكثر تضليلا، في الظواهر المعاصرة. ولا يظهر أي شخص آخر في الأفق ليوحد ما كان يجب ألا ينفصل أبدا. (يعتبر تصريح نيتشه في اللحظة الأخيرة عن عبقرية بيزيه في أوبرا «كارمن» سخيفا، بالنظر إلى جدية الموقف . كان نيتشه بحاجة إلى عمل يموج بالأهمية والدلالة، في حين أن «كارمن» - حسب ما يرى أدومو - ترفض بعناد نسبة معنى إلى أي حدث.)
يقول زرادشت في مرحلة ما بالجزء الثالث، عندما يعود مؤقتا إلى موطنه الجبلي لاستعادة نشاطه:
أما هنالك في الأسفل فكل قول عبث. وهنالك، خير حكمة هي النسيان وصرف النظر، «وهذا» ما تعلمته الآن. وإذا ما أراد أحدهم أن يفهم كل شيء متعلق بالبشر، فإن عليه أن يتشبث بكل شيء، ولكن يداي الطاهرتان أنقى من أن تمتد إلى تلك الأشياء. لقد تملكني الاشمئزاز من رائحة أنفاسهم، فوا أسفاه على زمن طويل قضيته بين صخبهم وأنفاسهم الكريهة! «هكذا تحدث زرادشت»، الجزء الثالث: «العودة للوطن»
अज्ञात पृष्ठ