47

निदा हकीकत

نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر

शैलियों

للموجود الإنساني الذي يقوم قبل كل شيء على نقيضة الوجود الإنساني أو طابع التناقض الذي يميزه؛ إذ إن عليه من ناحية أن يضع بنفسه أساس وجوده ويقرر بنفسه نوع هذا الوجود، كما يجد نفسه من ناحية أخرى موضوعا بالفعل في واقعة وجوده التي لا يد له في وضعها ولم يلق فيها بمشيئته؛ ولهذا فهو لا يستطيع أبدا أن يتمكن من نفسه كل التمكن، ولا ينفتح الموجود-الإنساني على وجوده المذنب كل الانفتاح إلا إذا أدرك أنه مذنب حتى النهاية، وهذا بدوره لا يتأتى له حتى يستبق نفسه إلى النهاية، أي الموت؛ بهذا تتلاءم فكرة الاستباق (أي الوجود الأصيل الذي يستبق ذاته إلى الموت) مع ظاهرة الضمير.

ويصف هيدجر موقف التوتر الذي ينجم عن الإنصات الحقيقي لنداء الضمير، ويقرر فيه الموجود-الإنساني اختيار إمكانية وجوده الحق بأنه هو التصميم الذي يتحدد به وجود الموجود-الإنساني، فالانفتاح على نداء الضمير - أو إرادة أن يكون لي ضمير - ظاهرة تظل مستغلقة على الناس؛ لأنها مرتبطة بما يتهرب منه الناس وينشغلون عنه، بتجربة عدمية الموجود-الإنساني الذي يشعر بها في القلق، وبالفهم كشروع للذات على أقصى إمكانياتها الحميمة، وبالكلام (لأن أسلوب الصمت الذي يهتف به الضمير حال من أحوال الكلام)؛ ومن ثم يصبح التصميم حالا متميزا للانفتاح الحق الذي يوصد الناس أبوابهم دونه، ونصل إلى هذه الصيغة النهائية العويصة التي تعبر عن التصميم أو المثل الوجودي الأعلى لإمكان الوجود الحق بأنه: «المشروع الذاتي المتكتم القلق على الوجود الحميم المذنب». •••

إن الضمير ينادي إنية الموجود-الإنساني أو ذاته من غمرة الضياع في «الناس»، والمنادي والمنادى عليه غير محددين ولا معروفين، فالنداء لا يهتم بطبيعة من يناديه ولا بما يفهمه عن نفسه، ولا يكترث بشخصه أو اسمه أو أصله أو طبقته، ومع ذلك فهو يصيبه - كما قلنا - إصابة مؤكدة؛ لأن الموجود الإنساني نفسه هو المنادي والمنادى.

ونحن لا نخطط لهذا النداء، لا نوجهه عن قصد ولا نعد له، إنه نداء مجهول، لم نتوقعه، ولم نرده، وهو لا يصدر عن «آخر» يشاركني أو أشاركه حياتي في العالم، إنه ينبعث من داخلي، ومع ذلك يرتفع فوقي ومن المستحيل أن يكون صوتا غريبا يأتي من قوة عليا تعلن عن وجودها في، أو أن يكون مظهرا من مظاهر حياتي البيولوجية أو النفسية أو الاجتماعية، إنه - من الناحية الأنطولوجية - ظاهرة متعلقة بالموجود-الإنساني مرتبطة بتكوينه الوجودي، وهذا وحده هو الذي يهدينا إلى تفسير الصوت الصامت المجهول الذي يصعد نداؤه من أعماقنا ويرتفع فوقنا ويهيب بنا أن نحقق إمكان وجودنا الأصيل. •••

لن تتحدد شهادة الضمير إلا إذا تحددت طبيعة «الإنصات» الملازم له، فتفهم ندائه ليس شيئا لاحقا به، بحيث يمكن أن نضيفه إليه أو نستبعده عنه، إننا لن ندرك تجربة الضمير إدراكا صحيحا إلا إذا فهمنا نداءه، وحتى عدم فهمه أو تجاهله تعبير آخر عن أسلوب وجود الموجود-الإنساني الذي يتحدد فيه المنادي والمنادى عليه، ولو حللنا هذا الفهم لاستطعنا كذلك أن ندرك «الذنب» المقصود بنداء الضمير، فكل تجارب الضمير وتحليلاته المختلفة تجمع على أن «صوت» الضمير يتكلم بشكل من الأشكال عن «الذنب»،

87

ولكنها تختلف فيما بينها حول تحديد طبيعة هذا الذنب كما تغفل التصور الوجودي له إغفالا.

ما هو معنى الذنب وكيف نكون مذنبين؟

لا بد من الرجوع إلى الموجود-الإنساني نفسه لفهم ماهية الذنب، كما رجعنا إليه لفهم الضمير والموت، وطبيعي ألا نرجع للناس لنسأل عنه؛ لأن السؤال الحقيقي عن الماهية غريب عنهم غربة كل سؤال أنطولوجي أصيل، ولأن تصورهم للذنب نابع من حياتهم المشتركة المنشغلة بالعمل والتملك؛ بحيث يكون الذنب في رأيهم مساويا للإضرار بهما وبالصالح العام وتقاليده وقوانينه.

من أين نستمد إذا معيار المعنى الوجودي عن الذنب والمذنب؟ من كونه صفة «للأنا أكون»، هل يكون الذنب في أسلوب وجود الموجود-الإنساني بما هو كذلك، بحيث يكون مذنبا بقدر ما يكون موجودا بالفعل؟ ألا يستلزم هذا أن نرتفع بفكرة الذنب عن مستوى الوجود المشترك المنصرف إلى الشئون العملية الحاضرة، كما نرتفع به فوق مستوى ما ينبغي وما يحق للآخر، وما يفرضه العرف أو الخلق أو القانون؟

अज्ञात पृष्ठ