निदा हकीकत
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
शैलियों
القاهرة في 1975م
طريق الفكر
«ولد أرسطو، تعب، ومات.»
هكذا بدأ هيدجر محاضراته التي كرسها لتفسير نص من نصوص المعلم الأول في كتاب الطبيعة (ولعلها أن تكون هي المحاضرة التي نشرها فيما بعد عن ماهية «الفيزيس» وتصورها)، هي عبارة شديدة البساطة بالغة الدلالة على طريقته في التفكير والحياة، ولا شك أنها خيبت آمال القراء الذين يتوقعون عادة من أمثال هذه المحاضرات أن تبدأ بمعلومات عن حياة الفيلسوف وتجاربه مع العصر والناس، ولكن ها هو ذا الأستاذ يصدمهم ويقدم لهم الرد الحاسم: إن حياة الفيلسوف هي فكره، وتجربته على طريق الحياة هي تجربته على طريق الفكر.
ولا شك عندي أن العبارة نفسها تصدق على هيدجر؛ فالفكر والحياة عنده شيء واحد، والإشكال الذي دفعه للسؤال عن الوجود والحقيقة هو نفس الإشكال الذي ملأ عليه حياته، وصحبه خطوة خطوة على الطريق؛ ولهذا فإن دراسة هذه الخطوات التي قطعها في صبر ومشقة هي سبيلنا الأوحد إلى التعرف على تجربته مع الفكر والحياة.
أما الذين يعنون بالأمور الشخصية فلن أخيب أملهم تماما، وسيجدون في آخر الكتاب لوحة موجزة تضم معالم حياته، يكفي الآن أن أقول لمن يهمهم الأمر أنه ولد سنة 1889م في بلدة مسكيرش بجنوب ألمانيا، وأنه تزوج سنة 1917م وأنجب ولدين هما يورج وهيرمان، ودعي للتدريس بجامعة ماربورج فقضى فيها أخصب سنوات عمره بين 1923م و1928م،
1
وتوطدت أواصر الصداقة بينه وبين باول ناتورب - أحد أعلام الكانطية الجديدة - الذي كان وراء دعوته لهذه الجامعة، ثم شغل كرسي هسرل بجامعة فرايبورج في هذه السنة الأخيرة، بعد الزلة السياسية الكبرى التي وقع فيها ضحية انخداعه بالنازية، ولكنه لم يلبث أن تبين خطأه الرهيب، فتنازل عن منصبه في العام التالي مباشرة، وجاهد طوال عمره - في صمت وعن قصد أو غير قصد - للتكفير عن هذه السقطة - التي لم يغفرها له كثير من المفكرين الفرنسيين ومن المفكرين من أصل يهودي بوجه خاص - ونسيان هذه الغلطة التي شبهها بعض الباحثين بغلطة أفلاطون عندما أحسن الظن بديونيزيوس حاكم سيراقوزه وابنه، وأوشك أن يدفع حياته ثلاث مرات ثمنا لحماسته وعاطفته الملتهبة التي صورت له إمكان تحقيق دولته المثالية على أرض سيراقوزه (سراقسطة)!
وحرمته قوات الاحتلال من التدريس ست سنوات امتدت من سنة 1945م حتى 1951م، وقام بعدة أسفار إلى بلاد مختلفة لإلقاء المحاضرات أو الاشتراك في الندوات والمؤتمرات، وما يزال يعيش في بيته الهادئ بمدينة فرايبورج أو في كوخه الريفي في توتناوبرج بين أحضان الغابة السوداء التي أحبها واستلمهما كثيرا من تأملاته وخواطره.
2
अज्ञात पृष्ठ