قال المفسرون في قوله تعالى: قاب قوسين أو أدنى (1): هو من الوتر إلى العروة، ومن القبضة إلى الوتر جعل الله محمدا (صلى الله عليه وسلم) أدنى من ذلك حيث قال: (أو أدنى) فلا يهدي أحد قرب الخالق من محمد (صلى الله عليه وسلم) لأنه سبحانه عرف الخلق قربه.
ثم قال: أو أدنى فلا يعرف مخلوق كم قدر الأدنى، ومعناه قرب المنزلة والجاه لا قرب المكان، فإن الله تعالى منزه عن المكان كما يقال: فلان قريب من فلان.
ومما خص الله محمدا (صلى الله عليه وسلم) أن جعله رحمة للعالمين مؤمنهم وكافرهم فقال عز وجل:
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (2) وقال (صلى الله عليه وسلم): «إنما أنا رحمة مهداة» (3).
فهو مبعوث بالرحمة، لأن الله تعالى وضع في شريعته على أمته ما كان في شرائع الأمم السالفة من الآصال والأغلال ثم بين الله رحمته بالمؤمنين والكافرين فقال تعالى في حق المؤمنين: الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم (4).
وقال تعالى: وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها (5) وهذا خبر منه سبحانه والخلف في خبره محال فقد عظم الرجاء والطمع في رحمته عز وجل بهم، وأما رحمته بالكافرين فقد أخبر سبحانه أن جهال كفار قريش حين سألوا العذاب: و قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم (6).
فقال الله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم (7) يعني ما دمت بينهم فإن الله لا يعذبهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (8) يعني في أصلابهم مؤمن يستغفر الله، وهذا بين في رحمته عز وجل بالمؤمنين والكافرين بسببه وشرف لا يشاركه فيه أحد من الأنبياء (عليهم السلام)، فقد أكمل الله على جميع الأمة بإرساله إليهم الرحمة، وأعظم عليهم المنة وأتم عليهم النعمة،
पृष्ठ 25