विकास का सिद्धांत और मानव की उत्पत्ति
نظرية التطور وأصل الإنسان
शैलियों
ولكن مع ذلك يمكننا أن نبين أن الاختلاف بين العقل الحيواني والعقل البشري غير أساسي كما نتوهم، ثم يجب أن نذكر أن الفرق بين أحط السمك وأعلى القرود في القوى العقلية أكبر وأعظم من الفرق بين القرد والإنسان، وهذا الفرق بين السمك والقردة يتدرج في درجات لا يكاد يميزها الإنسان لدقتها، كما يتدرج الفرق بين الهمجي الذي ينفض ابنه على الصخر ويقتله لأنه أسقط سلة المحار، وبين رجل مثل نيوتن أو شكسبير.
وغرضي الآن أن أبين أنه ليس ثمة اختلاف أساسي بين القوى العقلية في الإنسان والحيوان.
أول ما يلفت نظر الباحث في هذا الموضوع هو مشابهة غرائزنا لغرائز الحيوانات؛ فالذكر منا يحب الأنثى، والأم تحب طفلها، مثل ما يفعل الحيوان. وصغار الحيوانات، حتى صغار النمل، تلعب مثل صغارنا، والخوف يفعل بالحيوان مثل ما يفعل بنا، فيقف شعره وترتخي عضلاته ويرتجف جسمه، والحيوانات تحقد ويلذ لها الانتقام مثلنا، وقد شوهد أن إناث القردة تموت جزعا عند فقدان أطفالها، وأن الكلب يلحس يد صاحبه وهو يقتله، مما يدل على أن عواطف الحب والأمانة شديدة في الحيوانات.
وإناث القردة تتبنى اليتامى من نوعها وترضعها وتربيها، والغيرة مشاهدة بين الحيوانات، كما أنها تشعر بالحياء والتواضع والعظمة، فتجد الكلب الكبير يهزأ بنباح الكلاب الصغيرة، كأنه يترفع عن قتالها، وقد حقق الباحثون أن القردة تكره من يضحك منها أو يهزأ بها، ورأيت بنفسي قردا كاد يجن من الغيظ عندما كان حارسه يقرأ أمامه خطابا، وبلغ به الغيظ مرة أنه عض ساقه حتى أدماها، والكلب يفهم الفكاهة ويمازح صاحبه، فإذا ألقيت إليه عصا كي يأتي إليك بها قعد بعيدا عنك وهي معه، فإذا دنوت منه جرى منك وقعد، وهكذا، كأنه يتلذذ بالمزاح معك. (مواقف عاطفية مختلفة في الشمبنزي: الضحك، الحزن، التهيج، البكاء)
هذه لمحة من غرائز الحيوانات يراها القارئ تماثل غرائزنا، ولنتكلم الآن عن تلك الشهوات العقلية العليا كي نرى إن كانت الحيوانات تماثلنا فيها؛ فالحيوانات تتعجب من الأشياء الغريبة، وتتطلع إليها كأنها تريد أن تتعرفها مثلنا، وبعض الصيادين يلعبون أمام الغزلان ألعابا غريبة تستوقف أنظارها، فيصيدونها وهي لاهية بالتطلع إليهم، والقردة تخاف الأفاعي، ولكن الاستطلاع مع ذلك يدفعها إلى الدنو من صندوق الأفاعي، فكانت تقترب مع خوفها، فتفتح غطاءه وهي ترتجف، وتطل عليها ثم تهرب.
وقد جربت تجربة من هذا النوع، فأتيت بثعبان صناعي ووضعته بينها، فاصطفت حواليه وجعلت تحدق فيه، وتوترت أعصابها في هذه اللحظة لدرجة مضحكة، فقد وقعت مصادفة كرة فقفزت صارخة إلى أعلى القفص، كأنها حسبت أن الثعبان تحرك إليها.
والإنسان؛ خصوصا المتوحش منه، يحب التقليد، وكذلك الحيوانات العليا كالقردة، وصغار الحيوانات تتعلم أكثر ما تحتاج إليه من أمهاتها بالتقليد، والانتباه والذاكرة ظاهران في الحيوان؛ فالقط يقعد طويلا عند جحر الفأر منتظرا خروجه وافتراسه، والكلب يتذكر صاحبه بعد غيابه السنين.
والتصور، وهو تخيل الأشياء الغائبة، موجودة عند الحيوان، بدليل أنها تحلم، والكلب عند إهلاله؛ أي عندما يصيح ذلك الصياح بين النباح والأنين في ظلمة الليل، يتخيل أشياء تثير أشجانه.
والعقل من الصفات الإنسانية، ومع ذلك فالعلماء على رأي واحد الآن في أن أكثر الحيوانات العليا تعقل، وكلما تقدم البحث ظهر أن أكثر الأفعال التي تأتيها الحيوانات، وكانت تظن قبلا أنها نتيجة الغرائز، إنما هي نتيجة التقليد العقلي؛ فقد رأيت فيلا كان إذا رأى شيئا يقصر عنه خرطومه وأراد أن يتناوله مد خرطومه فوق هذا الشيء ونفخ، بحيث إن تيار الهواء الذي ينفخه يلتقي بالأرض فيتفرق ويدفع إلى ناحية الفيل هذا الشيء، ورأيت دبا كان في حوض مملوء بالماء، فكان إذا رأى لقمة بعيدة عنه أحدث تيارا بيده في الماء فتصل إليه اللقمة؛ فهذه الأعمال تدل على عقل.
وذكر «ونجر» أنه كان يعطي القردة بيضا لتأكله، فكانت أول ما عرفته تسحقه سحقا، فكان يضيع أكثر ما فيه على الأرض، ولكنها تعلمت بالاختبار بعد ذلك ألا تكسره إلا بالتؤدة وتقشره بأظافرها، وكان يعطيها قطع السكر ملفوفة فتسرع في أكلها، فوضع مرة زنبورا في الورق فكانت لا تفتح الورق من هذا الوقت إلا بعد أن تضعه على آذانها وتهزه لتحزر ما فيه.
अज्ञात पृष्ठ