ज्ञान का सिद्धांत और मानव की प्राकृतिक स्थिति
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
शैलियों
ولقد حدد هوسرل ذاته هدفه من اتباع منهجه الجديد بأنه «استبعاد مجموع العادات الفكرية التي سادت حتى اليوم، والتعرف على الحواجز الروحية التي تضربها هذه العادات حول أفق تفكيرنا، وهدم هذه الحواجز؛ من أجل الوصول بعد ذلك بحرية عقلية كاملة إلى المشكلات الحقيقية للفلسفة، التي تقتضي تجديدا شاملا، والتي سيكون من الممكن بلوغها بعد تحرير الأفق من جميع جوانبه.»
29
وربما كان التوفيق قد جانب هوسرل في استخدام تعبير «العادات الفكرية» في النص السابق، فما يسميه بالعادات الفكرية هنا هو حصيلة الموقف الطبيعي، غير أن ما هو «طبيعي» مضاد لما ينتج عن «العادات» - التي هي مكتسبة متولدة عن التكرار - لا عن الطبيعة، بل هي كثيرا ما تكون مضادة للطبيعة أو خارجة عنها أو مضافة إليها، فما يقصده هوسرل في هذا السياق ليس «عادات فكرية» بالمعنى المألوف لهذه الكلمة، وإنما هو أساليب وطرق للتفكير نتجه إليها بحكم الطبيعة، وقد يبدو هذا الاعتراض مجرد اقتناص لعدم اتساق لفظي بحت، ولكنه - في واقع الأمر - اعتراض مرتبط بصميم الهدف الذي يتجه المنهج الظاهرياتي إلى تحقيقه: فهل يهدف هوسرل - من اتباعه لهذا المنهج - إلى مجرد اطراح عادات فكرية قديمة واستبدال عادات فكرية جديدة بها؟ أم أنه يهدف إلى قهر الطبيعة قهرا متعمدا؟ أغلب الظن أن هدفه هو الثاني، بدليل أنه - بعد عدة سطور من النص السابق - يقول: «إذا كان الوصول إلى ماهية الظاهريات يشكل صعوبة بالغة ... فذلك يرجع أولا وقبل كل شيء إلى أنها تقتضي التخلي عن المواقف الطبيعية المرتبطة بتجربتنا وتفكيرنا، أي تغييرا جذريا في الموقف.» هذا التغيير في الموقف يرجع إلى «الرغبة في الوصول إلى منطقة جديدة للوجود لم يتم حتى الآن تحديدها وفقا لما فيها من خصوصية، يكون الوجود فيها - شأنها شان كل منطقة أصيلة - وجودا فرديا.»
30
وبهذا المعنى كان المنهج الظاهرياتي عند هوسرل تأسيسا لعلم جديد، غريب عن الفكر الطبيعي، وهو علم لم ينشأ - ولم يكن في الممكن أن ينشأ - إلا في العصر القريب.
وهنا يصبح في استطاعتنا أن نستجمع خيوط الفكر السابقة؛ لكي نصل إلى تحديد دقيق للرأي الذي تتخذه فلسفة الظاهريات إزاء الموقف الطبيعي، وعلاقة هذه الفلسفة ببقية المذاهب المثالية التي ينصب عليها نقدنا في هذا الكتاب.
فقد تبين لنا أن خروج مذهب الظاهريات عن الموقف الطبيعي يختلف اختلافا أساسيا عن خروج المذاهب المثالية الأخرى عن هذا المذهب: فهو ليس خروجا حتميا، تمليه ضرورات فكرية لا يمكن التخلص منها، وإنما هو خروج اختياري يقوم به الفيلسوف بمحض إرادته، مستهدفا منه كشف وجهة نظر جديدة وآفاق جديدة لا تتبدى إلا بعد «تعليق» العالم الطبيعي و«تعطيل» موقفنا الطبيعي الذي نعترف فيه بهذا العالم ونندمج فيه، إن المثاليات التقليدية تضعنا أمام اختيار يتحتم علينا القيام به: فإذا اعترفنا بوجود العالم أنكرنا المثالية، وإذا اعترفنا بالمثالية تحتم علينا أن نرفض الموقف الطبيعي الذي يفترض وجود العالم. أما هوسرل فإنه يريد أن يخرج عن الموقف الطبيعي مع بقاء هذا الموقف موجودا بالنسبة إلى كل من لم يتخذ وجهة النظر الظاهرياتية، فمن الممكن أن نتصور - في إطار تفكيره - تعايشا بين الموقف الظاهرياتي والموقف الطبيعي، على حين أن مثل هذا التعايش مستحيل من وجهة نظر المثاليات التقليدية.
إن الألفاظ التي تستخدم في مذهب الظاهريات على جانب كبير من الأهمية في تحديد موقفه من المشكلة التي نحن بصددها، فهوسرل لا يقدم حججا تفند الموقف الطبيعي، ولا يفكر أصلا في هذا التفنيد، وإنما هو يتحدث عن «تركه جانبا»، بل إن تفنيد المثاليين التقليديين للموقف الطبيعي يظل - في نظره - داخلا في إطار هذا الموقف، وهكذا يكون للموقف الطبيعي عنده معنى شديد الاتساع، يشمل أنصار هذا الموقف وخصومه معا، ويقف هوسرل بمعزل عن هؤلاء وأولئك؛ لأنه يضع هذا الموقف بين قوسين، ويعطله من أجل بلوغ منطقة جديدة يستحيل الاقتراب منها إلا بهذا التعطيل، ولما كانت وجهة النظر التي نعالج من خلالها مفهوم الموقف الطبيعي في هذا الكتاب هي تلك التي تتعلق بالصراع ضد المثالية، وبإمكان الدفاع عن هذا الموقف أو عدم الدفاع عنه، فإن محاولة هوسرل تبدو - في هذا الضوء - خارجة عن نطاق الخلافات والصراعات الأساسية التي تثار في هذا الكتاب؛ ذلك لأن تعطيل الموقف الطبيعي لا يعني إصدار حكم ضده، ولا يتضمن في ذاته تفنيدا له، على حين أن هذا التفنيد هو ما يعنينا قبل غيره.
31
ولنذكر - في هذا الصدد - أن دعوة هوسرل إلى قهر الذات الطبيعية - عن وعي وبحرية كاملة - لحساب الذاتية الخالصة، هذه العودة الترنسندنتالية إلى الوعي المتحرر من التوجه نحو العالم الطبيعي، لا يمكن تصورها إلا في إطار ثقافة ظلت - طوال تاريخها - متوجهة نحو هذا العالم، واكتسبت كثيرا من توجهها هذا، ففي الثقافة الهندية مثلا - حيث ظهرت منذ فجر التاريخ مذاهب تجعل من العالم الطبيعي وهما وخداعا - يستحيل أن نتصور فلسفة ظاهرياتية تطالبنا، بإلحاح، بأن نعطل الموقف الطبيعي والفكر الطبيعي والعالم الطبيعي والأنا الطبيعي، والواقع أن هوسرل إنما كان يسير - في دعوته هذه - في نفس الاتجاه الذي سارت فيه الرياضيات والمنطق حين اكتشفت مجالات جديدة لا تصدق عليها البديهيات القديمة، وإن لم تكن قد أنكرت استمرار فعالية هذه البديهيات في المجالات التقليدية، وهو ذاته الاتجاه الذي سارت فيه فيزياء القرن العشرين، حين رفضت النظرة الميكانيكية إلى العالم، مع اعترافها باستمرار انطباق هذه النظرة في مجالات خاصة، فظهور الفينومينولوجيا إنما هو حلقة في سلسلة بحث الثقافة الغربية عن أبعاد جديدة وأعماق جديدة، (ومما له دلالته أن التوافق الزمني بين كل حلقات هذه السلسلة كان توافقا تاما)، وهذا البحث عن الأبعاد والأعماق الجديدة لا يفهم إلا في إطار ثقافة تشبعت طوال تاريخها بالأبعاد والأعماق التقليدية، وهكذا فإن الدعوة إلى وضع الموقف الطبيعي بين قوسين هي دعوة لا يكون لها معنى إلا في إطار مجتمع ظل طوال تاريخه يعترف بهذا الموقف ويبني علومه ومعارفه على أساسه.
अज्ञात पृष्ठ