وقد جعل الله أمة محمد وسطا كما قال تعالى {2: 143 وكذلك جعلناكم أمة وسطا} أي عدولا خيارا فهم وسط معتدلون بين الطرفين المنحرفين في جميع الأمور في اعتقاداتهم وإراداتهم وأقوالهم وأعمالهم وأهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل فهم معتدلون في باب توحيد الله إذ كان اليهود يصفون الخالق بصفات النقص فيشبهونه بالمخلوق الموصوف بالنقائص كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا {3: 181 إن الله فقير ونحن أغنياء} وأنهم قالوا {5: 64 يد الله مغلولة} ونفى عن نفسه اللغوب الذي وصفوه به والسنة والنوم الذي روي أنهم جوزوه عليه أو من جوزه منهم.
والنصارى يصفون المخلوق بصفات الخالق التي اختص بها فلا يشركه فيها غيره كالإلهية وغيرها فقالوا بأن المسيح هو الله وقالوا هو ابن الله و{9: 31 اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} واتخذوا ابن مريم وأمه إلهين من دون الله ولهذا كان النصارى أكثر شركا في العبادات واليهود أكثر تعطيلا للعبادات إذ كانوا أعظم استكبارا عن الحق وجحودا له والنصارى أعظم إقرارا بالباطل وإشراكا به هؤلاء يصدقون بالباطل ويتبعونه وأولئك يكذبون بالحق ويجحدونه وأمة محمد وسط يعبدون الله وحده لا شريك له ويصفونه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله إذ وصفوه بصفات الكمال التي يستحقها ونزهوه عن النقائص كلها ونزهوه أن يكون أحد يماثله في شيء من صفات كماله وهذا جماع التنزيه أن ينفى عنه كل نقص ينافي الكمال وأن ينزه أن يكون له كفء أحد في شيء من كماله فلا يوصف بنقص ولا يماثله شيء في كماله بل هو كما قال تعالى {قل هو الله أحد • الله الصمد • لم يلد ولم يولد • ولم يكن له كفوا أحد}.
والتوحيد يتضمن توحيد القول والعلم وتوحيد القصد والعمل.
فالأول كما في سورة {قل هو الله أحد}.
والثاني كما في سورة {قل يا أيها الكافرون} فلا بد من وصفه بما يستحقه من صفات الكمال ولا بد من أن يعبد وحده لا شريك له وهو دين الإسلام.
واليهود يستكبرون عن عبادته وعبادة غيره والنصارى يشركون به يعبدون معه غيره.
पृष्ठ 10