المدمنين حياة متشابهة متماثلة لا فرق بين صبحها ومسائها، وأمسها وغدها، ذهاب إلى الحانات فشراب، فخمار١ فنوم فذهاب، كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها، والمنظر المتكرر لا يلفت النظر ولا يشغل الذهن حتى أن بعض من ينام على دورة الرحى يستيقظ عند سكونها، وكان أحرى أن يوقظه دورانها.
لذلك لم يشغل هذا المسكين محلا من قلبي إلا بعد أن سكنت دورته، وهدأت حركته، فلم أعد أراه معربدًا في الحانات، ولا مطرحًا في مدارج الطرق، ولا معتقلا في أيدي الشرط٢ هنالك سألت عنه فقيل لي إنه مريض فلم أعجب من شيء كنت أعد له الأيام والأعوام كما يعد الفلكي الساعات والدقائق لكسوف الشمس، واصطدام الكواكب.
دخلت عليه أعوده فلم أجد عنده طبيبًا، ولا عائدًا لأنه فقير، والأطباء يظهرون الرحمة بالفقراء، ويبطنون
حب الصفراء والبيضاء، والأصدقاء يخافون عدوى المرض وعدوى الفقر، فلا يعودون المريض، ولا يزورون الفقير.
_________
١ الخمار صداع الشراب.
٢ الشرط أعوان الأمير ومفرده شرطي بضم الشين وسكون الراء.
1 / 56