ويترسم مواقع أقدامه في فهم أصول الدين؛ ليكون مجتهدا أن استطاع أو واقفا على منازع المجتهدين، واللسان الذي يستعين به على الإفضاء بأدق أغراضه وأعمقها وأقصاها مكانا من قلبه ليكون إنسانا ناطقا، ومعلما نافعا، ولو أن هؤلاء الزارين على الأدب من علماء الدين وشيوخه وهم اليوم والحمد لله قليل بل هم في طريق الفناء والانقراض قد تعلقوا منه بما كان يتعلق به أسلافهم وأئمتهم من قبل لنالوا به في دينهم خيرا كثيرا، ولا ستدفعوا به عن أنفسهم في أمره شرًّا عظيمًا، فما زال الدين واضح المنهج قائم الحجة، وما زالت آيات الكتاب ومتون الأحاديث سائغة هنيئة لا يلحقها الريب ولا يحيط بها الشك، ولا تطير بجنباتها الأوهام والظنون حتى جهل علماء الدين الأدب ففسدت أذواقهم، وضلت أفهامهم، فكثر بينهم التأويل والتخريج، ووهت تلك العقدة الوثيقة بين الألفاظ والمعاني، واسترخت عراها من أيديهم، فأصبح كل لفظ في نظرهم محتملا لكل معنى حتى ما يأبى أحدهما على الأخر شيئا، وتهافت ذلك الحاجز الحصين الذي كان قائما بين الحقيقة والمجاز، والحقيقة والخيال، فبغى بعض الكلم على بعض وعاث كل منهما في تربة صاحبه إقبالا وإدبارا، وجيئة وذهوبا، وصعودا ونزولا، فاستطاع الواغلون في الدين والناصبون له أن يدخلوا
1 / 11