رَسُول الله ﷺ أَنَّهَا لَو اطمأنت فِي ذَلِك الْوَقْت إِلَى من أجْرى لَهَا ذَلِك لجرت وَبقيت جَارِيَة لَكِنَّهَا شغلت بالموجود عَن الَّذِي أوجده وحملتها النَّفس على الْإِحْرَاز لتطمئن بِهِ وَهُوَ قَول سلمَان ﵁ حَيْثُ رُؤِيَ يحمل جرابا فَقيل لَهُ مَا هَذَا يَا أَبَا عبد الله قَالَ إِن النَّفس إِذا أحرزت قوتها اطمأنت فَهَذَا عمل النَّفس وَلَيْسَ عمل الْقلب لِأَن الْقلب موقن أَن الرزق هُوَ الَّذِي يوصله الله تَعَالَى إِلَيْهِ فِي وقته وَالنَّفس فِي عماها وظلمتها تزْعم ان الرزق هُوَ الَّذِي توعيه فِي جرابها فصاحبه فِي بلَاء من وسوسته وتقاضيه فَإِذا أَرَادَ صَاحبه أَن يتَخَلَّص من وسوسته أسعفها بذلك كَمَا فعل سلمَان ﵁ فيطمئن إِلَى ذَلِك
وَقد يهيء الله تَعَالَى لَهُ الرزق الْمَكْتُوب من غير ذَلِك الَّذِي هيأه فِي جرابه وَالَّذِي أوعاه يُسَلط عَلَيْهِ غَيره فَيصير رزق غَيره حَتَّى يتَبَيَّن كذبهَا وجهلها فَمن أحرز ذَلِك فلطمأنينة نَفسه والخلاص من وسواسها وَهَذَا فعل يدْخل فِيهِ نقص على أهل التَّوَكُّل والأنبياء والأولياء ﵈
والعارفون فِي خلو من هَذَا لِأَن الشَّهَوَات مِنْهُم قد مَاتَت وَالنَّفس قد اطمأنت بخالقها والقلوب مِنْهُم قد حييت بِاللَّه تَعَالَى والصدور مِنْهُم قد أشرقت بِنور الله تَعَالَى والأركان مِنْهُم قد خَشَعت لله تَعَالَى فَسَوَاء عَلَيْهِم أحرزوا أَو لم يحرزوا فَإِن أحرزوا فَلَيْسَ ذَلِك مِنْهُم إحرازا إِنَّمَا هُوَ شَيْء قد ائتمنوا عَلَيْهِ فَأَخَذُوهُ من الله تَعَالَى بأمانة وقفوها على نَوَائِب الْحق ﷾ قد امْتَلَأت قُلُوبهم من عَظمَة الله تَعَالَى فَلم يبْق للدنيا بِمَا فِيهَا مَوضِع إبرة تُوجد حلاوتها ولذتها وشهوتها هُنَالك فقد ارْتَفَعت فكر شَأْن الأرزاق والمعاش عَن قُلُوبهم وتعلقت نُفُوسهم بقلوبهم وتعلقت قُلُوبهم بخالق الأرزاق وعالم التَّدْبِير فَقَالُوا حَسبنَا الله فَخرجت هَذِه الْكَلِمَة مِنْهُم من قلب حَيّ بِاللَّه تَعَالَى على سُكُون من النَّفس فَلم يبْق فِي صُدُورهمْ اخْتِلَاج وَلَا تنَازع وَلَا ريب فاستقرت الْأَركان فَمَتَى مَا وَقع
1 / 104