فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، إن للناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم، ويرصنون بقولهم، فاتخذهم لك بطانة يرشدوك، واستعن بآدابهم وأقوالهم يسعدوك. قال المنصور: قد بعثت إليهم فهربوا مني! قال الرجل: خافوا منك أن تحملهم على طريقتك، فلم يرضوا بها، ولكن افتح باب مجلسك، وسهل حجابك، وانظر في أمور الناس، وانصر المظلوم، واقمع الظالم، وخذ الغنى والأموال مما حل وطاب، واقسم ذلك بالحق والعدل على أهله، وأنا الضامن لك أنك إذا فعلت ذلك أن يأتوك ويساعدوك على صلاح الأمة، فبينما هو والرجل في الحديث دخل المؤذنون، فسلموا عليه للصلاة، فقام وصلى، فلما فرغ من صلاته عاد فطلب الرجل فلم يجده، فما زال المنصور بعد ذلك يذكره، ويقول إذا ذكره: كرهت كلامه ثم حمدته وانتفعت به.
المنصور والرجل
أخبر أحمد بن موسى قال: ما رأيت رجلا أثبت جنانا، ولا أحسن معرفة، ولا أظهر حجة من رجل رفع فيه عند المنصور بأن عنده أموالا لبني أمية؛ فأمر المنصور حاجبه الربيع أن يحضره، فلما حضر بين يديه قال المنصور: رفع إلينا أن عندك ودائع وأموالا وسلاحا لبني أمية، فأخرجها لنا لنجمع ذلك إلى بيت المال.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، أنت وارث لبني أمية؟ قال: لا. قال: فلم تسأل إذن مما في يدي من أموال بني أمية ولست بوارث لهم ولا وصي؟! فأطرق المنصور ساعة ثم قال: إن بني أمية ظلموا الناس، وغصبوا أموال المسلمين. فقال الرجل: يحتاج أمير المؤمنين إلى بينة يقبلها الحاكم، تشهد أن المال الذي لبني أمية هو الذي في يديه، وأنه هو الذي غصبوه من الناس ، وأن أمير المؤمنين يعلم أن بني أمية كانت لهم أموال لأنفسهم غير أموال المسلمين التي اغتصبوها على ما يتهم أمير المؤمنين. فسكت المنصور ساعة، ثم قال: يا ربيع، صدق الرجل، ما يجب لنا على الرجل بشيء. ثم قال للرجل: ألك حاجة؟ قال: نعم، قال: ما هي؟ قال: أن تجمع بيني وبين من سعى بي إليك، فوالله يا أمير المؤمنين ما لبني أمية عندي مال ولا سلاح، وإنما أحضرت بين يديك وعلمت ما أنت فيه من العدل والإنصاف واتباع الحق واجتناب المظالم فأيقنت أن الكلام الذي صدر مني هو أنجح وأصلح لما سألتني عنه.
فقال المنصور: يا ربيع، اجمع بينه وبين الذي سعى به، فجمع بينهما، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا أخذ لي خمسمائة دينار وهرب، ولي عليه مسطور شرعي. فسأل المنصور الرجل فأقر بالمال، قال: فما حملك على السعي كاذبا؟ قال: أردت قتله ليخلص لي المال! فقال الرجل: قد وهبتها له يا أمير المؤمنين لأجل وقوفي بين يديك وحضوري مجلسك، ووهبته خمسمائة دينار أخرى لكلامك لي، فاستحسن المنصور فعله وأكرمه وأعاده إلى بلده مكرما، وكان المنصور كل وقت يقول: ما رأيت مثل هذا الشيخ قط ولا أثبت من جنانه، ولا من حجتي مثله، ولا رأيت مثل حلمه ومروءته.
المنصور وصاحب الضيعة
غصب أحد الولاة رجلا من العقلاء ضيعة له، فشكاه إلى المنصور فقال له: أصلحك الله، أذكر حاجتي أم أضرب لك قبلها مثلا؟ قال: بل اضرب لي قبلها مثلا، قال: أصلحك الله، إن الطفل الصغير إذا نابه أمر يكرهه فإنه يغير إلى أمه؛ إذ لا يعرف غيرها، وظنا منه أنه لا ناصر فوقها، فإذا ترعرع واشتد فأوذي كان فراره وشكواه إلى أبيه؛ لعلمه بأن أباه أقوى من أمه على نصرته، فإذا بلغ وصار رجلا ووقع به أمر شكا إلى الوالي؛ لعلمه بأنه أقوى من أبيه، فإذا زاد عقله واشتدت شكيته شكا إلى السلطان؛ لعلمه بأنه أقوى من سواه، فإن لم ينصفه السلطان شكا إلى الله - عز وجل - وقد نزلت بي نازلة، وليس فوقك أحد أقوى منك، فإن أنصفتني وإلا رفعت أمرها إلى الله؛ إذ ليس فوقك إلا الله تعالى. قال: بل ننصفك. وأمر بأن يكتب إلى واليه برد ضيعته عليه.
عمارة والمنصور والرجل
جاء عمارة بن حمزة إلى الملك المنصور فأجلسه عنده، وكان ذلك في يوم نظره في المظالم، فقام رجل على قدميه ونادى بأعلى صوته: يا أمير المؤمنين، أنا مظلوم. فقال له: ومن ظلمك؟ فقال: عمارة بن حمزة هذا أخذ ضياعي وعقاري. فأمر المنصور أن يقوم من مجلسه ويساوي خصمه، فقال عمارة: يا أمير المؤمنين، إن كانت الضياع له فلا أعارضه فيها، وإن كانت لي فقد وهبتها له، ولا أقوم من مجلس أكرمني به أمير المؤمنين لأجل ضياع أو عقار.
المنصور وأحد ولد الأشتر
अज्ञात पृष्ठ