ابن السماك وهارون الرشيد
قال ابن السماك: بعث إلي هارون الرشيد، فلما انتهيت إلى باب القصر، أخذ بي حارسان، فأعجلاني في دهليز القصر، فلما انتهيت إلى باب القاعة لقيني خصيان، فأخذاني من الحارسين، فأعجلا بي إلى قاعة القصر، فانتهيت إلى البهو الذي هو فيه فقال لهما هارون: ارفقا بالشيخ، فلما وقعت بين يديه، قلت: يا أمير المؤمنين ما مر بي منذ ولدت أتعب من يومي هذا، فاتق الله في خلقه، وأنصحك لنفسك في رعيتك؛ فإن لك مقاما بين يدي الله تعالى أنت فيه أذل من مقامي هذا بين يديك، واتق الله واعلم أنه قادر عليم. فاضطرب على فراشه حتى نزل إلى مصلى بين يدي فراشه، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا ذل الصفة، فكيف لو رأيت ذل المعاينة؟! فكادت نفسه تخرج، فقال يحيى للخصيين: أخرجوه فقد أبكى أمير المؤمنين.
الرشيد والرجل
أحضر الرشيد رجلا؛ ليوليه القضاء، فقال له: إني لا أحسن القضاء، ولا أنا فقيه. فقال له الرشيد: فيك ثلاث خصال: لك شرف؛ والشرف يمنع صاحبه من الدناءة، ولك حلم؛ يمنعك من العجلة، ومن لم يعجل قل خطؤه، وأنت رجل تشاور في أمرك، ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فنضم إليك من تتفقه به، فولي فما وجد فيه تقصير.
الرشيد والمرأة
دخلت على الرشيد امرأة وقالت له: أتم الله أمرك، وفر حك فيما أعطاك، لقد قسطت بما فعلت زادك الله رفعة. فلما سمع قولها التفت إلى أرباب دولته، وقال: أعلمتم ما قالت المرأة؟ وما القصد من كلامها؟ فقالوا: ما فهمنا من كلامها إلا دعاء لحضرتك بالخير. فقال: لا بل دعاء علي . فقالوا: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟! فقال: أما قولها: «أتم الله أمرك» أرادت به قول الشاعر:
إذا تم أمر بدا نقصه
توقع زوالا إذا قيل تم
وأما قولها: «فرحك الله بما أعطاك» أرادت بقوله تعالى:
حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة (الأنعام: 44). وأما قولها: «لقد قسطت بما فعلت»: أرادت قوله تعالى:
अज्ञात पृष्ठ