والأولى أن أضرب عما سلف، وأترك ما فرط، وآخذ فيما أجريت إليه وقصدته، ونحوته واعتمدته، مما آثرت به الحضرة السامية أدام الله سموها من وصف ما عانيته من أرض مصر وعاينته، والاقتصار على الذي رأيته دون ما رويته، فليس من يقول: علمت هذا من طريق العلم والسماع، كمن يقول: تحققته بالمشاهدة والاطلاع، فإن ذا اللب الأمين لا ينخدع بمحال، ولا يرضى بانتحال.
وأنا أبتدئ بذكر هذه البلاد وموقعها في المعمورة ومجرى النيل منها، وغنائه فيها، وأشفع ذلك بنبذ من ذكر أحوال أهلها في أخلاقهم، وسيرهم وعاداتهم، وما يتصل بذلك وينجر معه، ويجيئ بسببه، ويدخل في تضاعيفه. وهأنذا آخذ في ذلك، وبالله أستعين، وعليه التوكل.
أرض مصر بأسرها واقعة من المعمورة في قسمي الإقليم الثاني والإقليم الثالث، ومعظمها في الثالث.
وحكى المعتنون بأخبارها وتواريخها أن حدها في الطول من مدينة برقة التي في جنوب البحر الرومي، إلى أيلة من ساحل الخليج الخارج من بحر الحبشة والزنج والهند والصين. ومسافة ذلك قريب من أربعين يوم.
पृष्ठ 15