وتنبسط الآمال فيه لفضله
ولا سيما إن كان من ولد الفضل
فلما ألقى علي الصوت سمعت ما لم أسمع مثله قط وصغر عندي الأول فأحكمته، ثم قال: انهض الساعة إلى الفضل بن يحيى فإنك تجده لم يأذن لأحد بعد وهو يريد الخلوة مع أهله اليوم فاستأذن عليه وحدثه بحديثنا أمس وما كان من أبيه إلينا وإليك، وأعلمه أني قد صنعت هذا الصوت وكان عندي أرفع منزلة من الصوت الذي صنعته بالأمس وإني ألقيته عليك حتى أحكمته ووجهت بك قاصدا لتلقيه على فلانة جاريته، فصرت إلى باب الفضل فوجدت الأمر على ما ذكر، فاستأذنت فوصلت وسألني ما الخبر، فأعلمته بخبري في اليوم الماضي وما وصل إلي وإليه من المال، فقال: أخزى الله إبراهيم فما أبخله على نفسه ثم دعا خادما فقال: اضرب الستارة، فضربها فقال لي: ألقه، فلما غنيته لم أتمه حتى أقبل يجر بطرفه ثم جلس على وسادة دون الستارة وقال: والله لقد أحسنت وأستاذك يا مخارق، فلم أخرج حتى أخذته الجارية وأحكمت، فسر بذلك سرورا شديدا وقال: أقم عندي اليوم، فقلت: يا سيدي إنما بقي لنا يوم واحد ولولا أني أحب سرورك لم أخرج من منزلي، فقال: يا غلام احمل مع أبي المهنا عشرين ألف درهم واحمل إلى إبراهيم مائتي ألف درهم، فانصرفت إلى منزلي بالمال، ففتحت بدرة نثرت منها على الجواري وشربت وسررت أنا ومن عندي يومنا، فلما أصبحت بكرت إلى إبراهيم أتعرف خبره وأعرفه خبري فوجدته على الحال التي كان عليها أولا وآخرا، فدخلت أترنم وأصفق فقال لي: ادن، فقلت: ما بقي؟ فقال: اجلس وارفع سجف هذا الباب، فإذا عشرون بدرة مع العشرة الأول فقلت: ما تنتظر الآن، فقال: ويحك ما هو والله إلا أن حصلت حتى جرت مجرى ما تقدم، فقلت: ما أظن أحدا نال في هذه الدولة ما نلته فلم تبخل على نفسك بشيء عنيته دهرا وقد ملكك الله أضعافه، ثم قال: اجلس فخذ هذا الصوت، وألقى علي صوتا إنسانيا - والله - صوتي الأولين:
إلى جعفر صارت بنا كل حرة
طواها سراها نحوه والتهجر
إلى واسع للمنتدين فناؤه
تروح عطاياه عليهم وتبكر
ثم قال لي: هل سمعت مثل هذا؟ فقلت: ما سمعت قط مثله، فلم يزل يرد علي حتى أخذته، ثم قال لي: امض إلى جعفر فافعل به كما فعلت بأخيه وأبيه، قال: فمضيت ففعلت مثل ذلك وخبرته ما كان منهما وعرضت عليه الصوت فسر به ودعا خادما فأمره بضرب الستارة وأحضر الجارية وقعد على كرسي، ثم قال: هات مخارق، فاندفعت فألقيت الصوت عليها حتى أخذته، فقال: أحسنت والله يا مخارق وأحسن أستاذك، فهل لك في المنام عندنا اليوم؟ فقلت: يا سيدي هذا آخر أيامنا، وإنما جئت لموقع الصوت مني حتى ألقيته على الجارية، فقال: يا غلام احمل معه ثلاثين ألف درهم وإلى الموصلي ثلاثمائة ألف درهم، فصرت إلى منزلي بالحال فأقمت ومن معي مسرورين نشرب بقية يومنا ونطرب، ثم بكرت إلى إبراهيم فتلقاني قائما وقال لي: أحسنت يا مخارق، فقلت: ما الخبر، فقال: اجلس، فجلست، فقال لمن خلف الستارة: خذوا فيما أنتم فيه ثم رفع السجف فإذا المال، فقلت: ما خبر الضيعة، فأدخل يده تحت مسورة هو متكئ عليها فقال: هذا صك الضيعة ثم سئل عن صاحبها فوجد ببغداد، فاشتراها منه يحيى بن خالد وكتب إلي: قد علمت أنك لا تسخو نفسا بشراء الضيعة من مال يحصل لك ولو حيزت لك الدنيا كلها، وقد ابتعتها لك من مالي ووجهت لك بصكها ووجه إلي بصكها - وهذا المال كما ترى، ثم بكى وقال لي: يا مخارق إذا عاشرت فعاشر مثل هؤلاء، وإذا مدحت فامدح مثلهم، هذه ستمائة ألف وضيعة بمائة ألف وستون ألف درهم لك حصلنا ذلك أجمع، وأنا جالس في مجلسي لم أبرح منه فمتى يدرك مثل هؤلاء؟!
قيل في محمد بن يحيى بن خالد البرمكي:
سألت الندى والجود ما لي أراكما
अज्ञात पृष्ठ