يصافينا الكريم إذا التقينا
ويبغضني اللئيم إذا رآني
زهير وبنو عامر
لما بلغ زهيرا خبر قتل ابنه شاس في أحياء بني عامر زحف بعسكر جرار لمحارتبهم وأخذ الثأر، فلما بلغوا ديارهم تقدم إلى الملك زهير ملاعب الأسنة غشم بن مالك أمير بني عامر، وقال: أيها الملك فيم أتيت أرضنا؟ فإن كنت زائرا فعلى الرحب والسعة، وإن جئت متصيدا فأهلا وسهلا بك، فقال زهير: لا والله ما جئتكم زائرا ولا متصيدا، إنما جئت لأخذ الثأر ممن قتلوا ولدي شاسا، قال: وما الذي غير ما بيننا من الوداد، قال: قتل شاس ولدي في أحيائكم، قال غشم: ومن قتل ولدك وأحرق عليه كبدك؟ ومن أعلمك بذلك الخبر؟ قال: عبده سالم بن مسهر، قال: وهل تريد أن تأخذ البريء بالسقيم وتصدق فينا قول عبد زنيم؟ ولو فرضنا أنه صادق فكم يجوز أرضنا ليلا من سلال وسارق وربما أدرك ولدك برجل غريب ففعل به ما فعل ولم يخش محذورا، فإن شئت أن تعاملنا بالجفاء بعد الوداد والصفاء فمعاذ الله أن نغير ما بيننا وبينك من المحبة والوفاء، فكن بنا متلطفا وارحم الأرامل والضعفاء، فلما سمع الملك زهير قوله رق لهم وعفا عنهم خوفا من عاقبة البغي وعاد على أعقابه.
الجود والأجواد
قيل لأعرابي: ما القرى؟ فقال: نار يعلو شرفها وخيمة يوطأ كنفها، وقيل: تلقى النزيل بالوجه الجميل، وقال الله تعالى في مدح قوم:
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (الإنسان: 8)، وقال النبي
صلى الله عليه وسلم : «إذا نزل الضيف بقوم نزل برزقه وإذا ارتحل عنهم ارتحل بذنوبهم». وقيل لبعضهم: ما الكرم؟ فقال: طعام مبذول ونائل موصول ووفاء لا يحول، وقال الإمام علي: لأن أختبز صاعا أو صاعين فأدعو إليه نفرا من إخواني أحب إلي من أن أعتق رقبة. وقال الواثق يوما لأحمد بن أبي داود تضجرا لكثرة حوائجه: قد خلت بيوت المال لطلباتك للائذين بك والمتوسلين إليك، فقال: يا أمير المؤمنين هي نتائج شكرها متصل بك وذخائر أجرها مكتوب لك وما لي من ذلك إلا أن أخلد المدح فيك، فقال: أحسنت وشفعه. وقيل للأحنف: ما السخاء؟ قال: الاحتيال للمعروف، قيل: فما اللؤم؟ قال: الاستقصاء على الملهوف. وقيل: السخي من كان بماله متبرعا وعن مال غيره متورعا. وقيل للصوفي: من الجواد من الناس؟ فقال: الذي يؤدي ما افترض عليه، وقيل للحسن: من السخي؟ فقال: من لو كانت الدنيا له فأنفقها لرأى عليه بعد ذلك حقوقا. وقال بعضهم: الناس أربعة: جواد وهو الذي يعطى حظ دنياه وآخرته، بخيل وهو الذي لا يعطى واحدا منها، مسرف وهو الذي جعل ماله لدنياه، مقتصد وهو الذي أعطى كلا بقدره. وقال الله تعالى:
وما تفعلوا من خير يعلمه الله (البقرة: 197). وقال النبي
صلى الله عليه وسلم : «أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة»، وقال: «السخاء شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدلية في الدنيا فمن أخذ بغصن من أغصانها أداه إلى الجنة والبخل شجرة من أشجار النار فمن أخذ بغصن من أغصانها أداه إلى النار». وقال ابن عباس: صاحب المعروف لا يقع وإن وقع وجد متكأ. وقيل لأحد الحكماء ما الذي يشبه فعل الله من أفعال العباد؟ فقال: الإحسان إلى الناس. وقال النبي
अज्ञात पृष्ठ