ولما دخلت الجنود البلجيكية مدينة «هوفستاد» وجدت جثة امرأة طاعنة في السن كان الألمان قد أثخنوها بالجراح، ورأت بين أناملها الإبر التي كانت تحوك بها حينما قتلوها، وعثرت تلك الجنود على جثمان امرأة وجثة ابنها البالغ من العمر 15 أو 16 سنة وكلاهما ملقيان على أديم الأرض ومثخنان بطعنات الحراب. •••
إرهاب المسالمين: وقال شهود عدل إنهم رأوا الألمانيين في نامور يسوقون أهل القرى المسالمين نساء ورجالا كبارا وصغارا ويوقفونهم أمام مدافعهم الكبيرة لتخويفهم وإرهابهم، نعم إن هؤلاء المساكين كانوا بعيدين عن الأذى والضر لأن فوهات المدافع كانت أعلى كثيرا منهم، ولكن ليحكم القارئ في موقفهم في تلك الحالة ودوي المدافع يصم آذانهم من الوراء، وألسنة نارها تندلع فوق رءوسهم، ودخانها الكثيف يعمي أبصارهم ورائحة البارود تسد منافسهم.
سوق الأهالي أمام الجنود ليتلقوا النار عنهم.
وأفظع من ذلك جدا أن الألمان كانوا يسوقون الأهالي المسالمين أحيانا أمامهم ليتلقوا عنهم بصدورهم وابل القنابل والرصاص الذي كان يمطرهم إياه البلجيكيون.
وقد استفزت هذه الفظائع المنكرة ذلك السياسي الكبير والشيخ الجليل المستر أسكويث إلى إلقاء تلك الخطبة الرنانة التي لا تصدر إلا عن شبان مملوئين حمية وحماسة، وما ذلك إلا لما كان يتلهب في صدره من العواطف الشريفة حتى لقد قال: «ولا أبصرنا الفظائع التي لا تحصى «والبلص» الذي فرضه الألمان على غير المحاربين الأبرياء من البلجيكيين وشاهدنا أكبر جريمة ارتكبت بحق الحضارة منذ «حرب الثلاثين سنة» وأعني بها نهب لوفان، وحرقها وحرق الآثار والتحف التي لا تثمن بنار انتقام التوحش الأعمى، فبأي دفاع كانت حكومة هذه البلاد وشعبها يدافعان أمام محكمة ضمير الأمم وقاضي الشرف، لو أغضينا عن عهودنا المقدسة وصبرنا على ما تقدم ولم نبذل جهدنا لمنعه والانتقام لهذه الفظائع التي لا تطاق؟! أما أنا فأفضل أن يمحى اسم بلادنا هذه من لوح التاريخ على أن أقف شاهدا صامتا يرى انتصار القوة على القانون والتوحش على الحرية.»
ونجتزئ باليسير عن الكثير مما أثبته شهود ثقة من تلك الفظائع؛ خشية السآمة والملل فمن ذلك ما قاله شاهد عيان: «لم أر بعدما تركت بلدة «فيرت سان جورج» إلا قرى التهمتها النيران، وقرويين في حالة الذهول والرعب الشديد وهم يرفعون أيديهم فوق رءوسهم علامة على خضوعهم، وقد رأيت أمام جميع المساكن حتى المحروق منها راية بيضاء ملقاة بين الأطلال بعد احتراقها.
وسألت في هذه البلدة بعض السكان عن السبب الذي حدا بالألمانيين إلى هذا الانتقام الفظيع فأكدوا لي بأن الأهلين لم يطلقوا عيارا ناريا واحدا عليهم؛ لأن الأسلحة كانت قد أخذت منهم قبلا، وأن الألمان انتقموا من السكان لأن نفرا من الضابطة البلجيكية قتل فارسا ألمانيا من فرقة اليوهلان، وقد فر السكان الباقون في لوفان أمام الجنود الألمانية والنار، واحتموا في ضواحي «هافرلي» حيث غص بهم المكان، ثم ابتدأت النيران في مكان غير بعيد من الكلية الأمريكية فدمرت البلدة كلها ما عدا دار المجلس البلدي ومحطة سكة الحديد، وما زالت النار ملتهبة حتى اليوم الذي سافرت فيه من لوفان ولم يبد الألمان أقل رغبة في إخمادها، بل زادوها ضراما بما كانوا يطرحونه فيها من القش لا سيما في الشارع الملاصق لدار المجلس البلدي، وأصبحت دار الكتب والملهى والكنيسة أطلالا دائرة وصارت المدينة خالية من الأنيس لا يمرح فيها إلا الجنود السكارى وفي أيديهم زجاجات الخمر والمشروبات الروحية، والضباط جلوس حول موائد الخمر يتعاطون أقداح الراح وجثث الخيل النافقة ملقاة في الشوارع، وقد دب فيها التعفن وانبعثت منها الروائح النتنة حتى عمت الآفاق.» •••
استاق الألمان إلى ميادين محطات لوفان 75 شخصا من بينهم جملة من علية القوم فيهم الأسقف كولوبت وقسيس إسباني وآخر أمريكي، وبعدما فرق بينهم وبين نسائهم وأولادهم عوملوا معاملة تشمئز منها النفوس الأبية، وهددوا مرارا بإطلاق النار عليهم وأكرهوا على السير أمام الجيوش إلى أن بلغوا قرية «كمبنهوفت» حيث حبسوا في الكنيسة طول الليل، ولما كانت الساعة الرابعة من الصباح جاءهم ضابط ألماني فأمرهم بأداء الفروض الدينية الأخيرة وتناول سر الاعتراف؛ لأنه كان قد تقرر إعدامهم بعد نصف ساعة، وفي الساعة الرابعة والدقيقة 30 من الصباح أطلق سراحهم ولكن لواء ألمانيا عاد فقبض عليهم وأكرههم على السير أمامه إلى مدينة مالين، وحدث أن أحد هؤلاء الأسرى سأل ضابطا ألمانيا عما يضمره الألمان لهم فأجابه بأن الألمان عقدوا النية على إذاقتهم طعم مدافع البلجيكيين السريعة الانطلاق أمام مدينة «أنفرس»، ولكن الألمان عادوا فأخلوا سبيلهم عشية يوم الخميس أمام أبواب مدينة مالين. •••
جرى قتال بين البلجيكيين والألمانيين في هيلن؛ فارتد البلجيكيون وخلفوا وراءهم بعض الجرحى ومنهم القومندان فان دام الذي كان ملقى على ظهره لا يعي شيئا من شدة ما أصابه من الجراح وما نزف من دمه؛ فتقدم إليه بعض الجنود الألمانيين وأفرغوا مسدساتهم في فيه فأجهزوا عليه. •••
هجم بعض المشاة البلجيكيين واثنان من رجال الجندرمة على الفرسان الألمانيين الذين كانوا محتلين قرية لنشو ولم يشاركهم في ذلك أحد من أهل القرية غير المحاربين، ومع ذلك فقد غزا الألمانيون تلك القرية في 10 أغسطس سنة 1914 بعد تخييم الغسق ودمروا مزرعتين بجوارها وستة بيوت في ضواحيها بقنابل المدافع وتركوها طعمة للنار، ثم دخلوا القرية وأمروا جميع السكان أن يخرجوا من منازلهم، ثم بحثوا فيها فعثروا على بعض البنادق، وكانت جميع الدلائل تدل على أنها كانت قد أطلقت قبل وصول الألمانيين إلى تلك القرية بمدة طويلة، ولكن الغزاة قسموا أهل القرية إلى ثلاث فرق، فرقة شدوا وثاقها ووضعوا أحد عشر من رجالها في خندق حفروه، وفي اليوم التالي وجد هؤلاء الرجال مقتولين قتلا فظيعا وعظام رءوسهم محطمة من ضربها بخشب بنادق الألمانيين. •••
अज्ञात पृष्ठ