حلاقة غريبة: قال الأونباشي «مكان» من فرقة الرماحة الإنكليز في رسالة له: حدث لي أمر صباح هذا اليوم، ذهبت ورفيق لي، ومعنا لحيتان طال عليهما المدى حتى صارتا ابنتي أسبوع إلى دكان حلاق لنتخلص منهما، فلما وصلنا إلى الدكان - وكان في الحقيقة بيتا لأحد الأهلين - رأينا الحلاق غائبا وهناك سيدة تنوب عنه، فاستلمت هذه السيدة وجه رفيقي ولحيته استلام المالك المستبد بملكه، ووضعت تحتهما طشتا وأشارت إليه أن يمسكه بيديه، وبدأت تفرك وجهه بالماء، ثم جاءت بالصابون فطلت به اللحية والخدين إلى ما تحت العينين، وتناولت الموسى وشرعت بحلق الشعر، فكنت أرى رفيقي ينتفض انتفاض العصفور المذبوح، فخفت عليه وسألته لما انتهت العملية: كيف الحال؟ فقال: على أحسن ما يرام، وكانت هذه أول أكذوبة سمعتها منه في حياتي.
أما أنا فكدت أحجم عن وضع لحيتي ورقبتي تحت رحمة تلك السيدة، ولكن الحياء منعني، فتحملت آلام العملية بصبر جميل، أبتسم إلى السيدة تجملا تبسم المطمئن البال.
ولما انتهت السيدة من العملية ونظرت إلى وجهي في المرآة سررت لأنه صار وجه جندي بريطاني لا سحنة متوحش خارج من غابات أفريقيا. •••
من أشجع ما روي في هذه الحرب الحكاية الآتية التي روتها جريدة التيمس قالت: أرسل القائد الفرنسوي ضابطا فرنسويا إلى صدر الجيش، وأمره أن يحتل نقطة أرشده إليها ويمد الخط التليفوني إليه، ويخبر قائد المدفعية عن أماكن وجود المدفعية الألمانية لإحكام تصويب القنابل إليها، فذهب الضابط واحتل تحت وابل من القنابل النقطة المرتفعة التي كانت لا تبعد إلا عشرات الأمتار عن خنادق الألمانيين وأخذ يقوم بمهمته، ولم يمض زمن طويل عليه حتى أبلغ القائد العمومي هذه الجملة الآتية في التلفون قالها بكل برودة ورباطة جأش وكانت آخر كلامه ولم يسمع بعدها شيء عنه، وهي: «يصعد الألمان على سلم غرفتي فلا تصدقوا ما يبلغونكم إياه بعد، أما أنا فسأستخدم كل ما يوجد في مسدسي من الرصاص.» •••
تروي الصحف الغربية روايات جمة عن شجاعة الصربيين والتضحية التي قاموا بها في الشهور الأربعة التي دامت فيها الحرب؛ فقد فقدوا مائة ألف رجل فيها بين قتيل وجريح وضائع، وأصيبت بلادهم بالمجاعة لأنهم لم يتمكنوا من زرع الأرض واستغلالها كما يجب بعد حرب البلقان، وفقدت عائلات منهم كل أولادها في الحروب البلقانية والأوروبية، وأصبح الصربيون يقاتلون قتال انتقام واستماتة في سبيل البقاء. •••
جاء في الصحف الغربية خبر لا يقرؤه امرؤ إلا وينفطر قلبه حزنا وأسى، وذلك أن سيدة تزوجت من فرنسوي فرزقت منه ابنين، ثم مات زوجها فتزوجت من ألماني ورزقت منه ابنين آخرين، وشب الأربعة فلما نشبت الحرب انضم الأولان إلى الجيش الفرنسوي والأخيران إلى الجيش الألماني، وقد جاءت الأخبار لهذه الوالدة المسكينة بأن أبناءها الأربعة سقطوا في حومة الوغى. •••
حرب البراميل: سمع ذات يوم دوي مدافع الألمان الضخمة ولم يسمع للمدافع الفرنسوية قصف فأشكل الأمر، ولكن مكاتب إحدى الجرائد الأوروبية اكتشف السر فروى - وهو صادق في روايته - أن طيارا ألمانيا حلق في جو جلونجن للاستكشاف وعاد فأخبر الألمان بأن الفرنسويين نصبوا بطارية من بطارياتهم الضخمة على أكمة تشرف على بلدة كرس على طريق دنماري، فأخذت البطاريات الألمانية الكبيرة تطلق قنابلها الجهنمية من الساعة الواحدة بعد الظهر حتى منتصف الليل على الأكمة التي أشار إليها الطيار الألماني وهم جذلون مسرورون.
واتضح بعد ذلك أن البطارية الفرنسوية لم تكن إلا برميلا كبير الحجم وضعه مزارع في أرضه، وقد أطلق الألمان عليه أكثر من مائتي قنبلة، وقد أثنت الجنود الفرنسوية المرابطة في الفوج على الطيار الألماني لحذقه وبعد نظره وعلى رجال المدفعية الألمانية لحسن مرماهم ومهارتهم في ضرب البرميل. •••
قبض الألمان على الكاهن لاهاش كاهن إبرشية فوافر وسألوه تحت يمين الاعتراف أن يرشدهم إلى أماكن الجنود الفرنسوية في إبريشته وإلا قتلوه، فاستأذنهم إلى أن أدى صلاته الأخيرة، ثم عرض صدره للرصاص قائلا لهم: الموت ولا الخيانة. •••
نكتة في محلها: كتب الجنرال فون بيسينج الألماني منشورا إلى البلجيكيين وطلب من الكردينال مرسييه أن يوقعه، فقال له الكردينال بعدما طالعه بتدبر وإنعام إنه مستعد لإجابة طلبه بشرط أن يغير فيه كلمة واحدة وهي «الحقائق التي تجرح عواطف الألمان» بدلا من «الأكاذيب التي تجرح عواطف الألمان» فأبى الجنرال عليه ذلك، وامتنع الكردينال عن التوقيع مفضلا الموت على الكذب والرياء. •••
अज्ञात पृष्ठ