مُقَدّمَة الْمُؤلف
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ الْمُؤلف الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن سَلامَة بن نصر الْمُفَسّر الْمقري ﵀ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لدينِهِ وَجَعَلنَا من أَهله وفضلنا بِمَا علمنَا من تَنْزِيله وشرفنا بِمُحَمد نبيه وَرَسُوله ﷺ وعَلى أَله وَأنزل عَلَيْهِ كِتَابه الَّذِي لَم يَجعَل لَهُ عوجا وَجعله قيمًا لِيُنذِرَ بَأسًا شَديدًا مِن لَدنه ﴿لَا يَأتيهِ الباطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلا مِن خَلفِهِ تَنزيلٌ مِن حَكيمٍ حَميدٍ﴾ بَين فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام وَالْحُدُود وَالْأَحْكَام والمقدم والمؤخر وَالْمُطلق والمقيد والأقسام والأمثال والمجمل والمفصل وَالْخَاص وَالْعَام والناسخ والمنسوخ
1 / 17
﴿لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بيِّنَةٍ وَيحيى مِن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَهَ لَسَميعٌ عَليم﴾
فَأول مَا يَنْبَغِي لم أَرَادَ أَن يعلم شَيْئا من علم هَذَا الْكتاب أَلا يدأب نَفسه إِلَّا فِي علم النَّاسِخ والمنسوخ اتبَاعا لما جَاءَ عَن أَئِمَّة السّلف ﵃ لِأَن كل من تكلم فِي شَيْء من علم هَذَا الْكتاب وَلم يعلم النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ كَانَ نَاقِصا وَقد رُوِيَ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أَنه دخل يَوْمًا مَسْجِد الْجَامِع بِالْكُوفَةِ فَرَأى فِيهِ رجلا يعرف بِعَبْد الرَّحْمَن بن دَاب وَكَانَ صاحبا لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَقد تحلق النَّاس عَلَيْهِ يسألونه وَهُوَ يخلط الْأَمر بِالنَّهْي وَالْإِبَاحَة بالحظر فَقَالَ لَهُ عَليّ رضى الله عَنهُ أتعرف النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ قَالَ لَا قَالَ هَلَكت وأهلكت فَقَالَ أَبُو من أَنْت
1 / 18
قَالَ أَبُو يحيى فَقَالَ أَنْت أَبُو اعرفوني وَأخذ بأذنه ففتلها وَقَالَ لَا تقص فِي مَسْجِدنَا بعد
ويروى فِي معنى هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس أَنَّهُمَا قَالَا لرجل آخر مثل قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه أَو قَرِيبا مِنْهُ
وَقَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان لَا يقص على النَّاس إِلَّا أحد ثَلَاثَة أَمِير أَو مَأْمُور أَو رجل يعرف النَّاسِخ والمنسوخ وَالرَّابِع متكلف أَحمَق وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ يخلط الْأَمر بِالنَّهْي والأباحة بالحظر قَالَ الشَّيْخ هبة الله أبوالقاسم ﵀
1 / 19
وَلما رَأَيْت الْمُفَسّرين قد سلكوا طَرِيق هَذَا الْعلم وَلم يَأْتُوا مِنْهُ وَجه الْحِفْظ وخلطوا بعضه بِبَعْض ألفت فِي ذَلِك كتابا أَي هَذَا الْكتاب يقرب على من أحب تَعْلِيمه وتذكارا لمن علمه وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ ﷺ َ - أنيب
بَاب فِي النَّاسِخ والمنسوخ
إعلم أَن النّسخ فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ الرّفْع للشَّيْء وَجَاء الشَّرْع بِمَا تعرف الْعَرَب إِذْ كَانَ النَّاسِخ يرفع حكم الْمَنْسُوخ والمنسوخ فِي كتاب الله تَعَالَى على ثَلَاثَة أضْرب ١ فَمِنْهُ مَا نسخ خطه وَحكمه ٢ وَمِنْه مَا نسخ خطه وَبَقِي حكمه ٣ وَمِنْه مَا نسخ حكمه وَبَقِي خطه فَأَما مَا نسخ خطه وَحكمه فَمثل مَا رُوِيَ عَن أنس بن مَالك أَنه قَالَ
1 / 20
كُنَّا نَقْرَأ على عهد رَسُول الله ﷺ سُورَة نعدلها بِسُورَة التَّوْبَة مَا أحفظ مِنْهَا غير آيَة وَاحِدَة وَهِي ﴿لَو أَن لِأَبْنِ آدم واديين من ذهب لابتغى لَهما ثَالِثا وَلَو أَن لَهُ ثَالِثا لابتغى إِلَيْهِ رَابِعا وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ﴾
وروى عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ أَقْرَأَنِي رَسُول الله ﷺ آيَة أَو قَالَ سُورَة فحفظتها وكتبتها فِي مصحفي فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل رجعت الي مضجعي فَلم أرجع مِنْهَا الى شَيْء فَغَدَوْت الى مصحفي فَإِذا الورقة بَيْضَاء فَأخْبرت رَسُول الله ﷺ فَقَالَ يَا ابْن مَسْعُود تِلْكَ رفعت البارحة
وَأما مَا نسخ خطه وَبَقِي حكمه فَمثل مَا رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب ﵁ أَنه قَالَ لَوْلَا أَن أخْشَى أَن يَقُول النَّاس قد زَاد عمر فِي الْقُرْآن مَا لَيْسَ فِيهِ لكتبت آيَة الرَّجْم وأثبتها فِي الْمُصحف وَوَاللَّه لقد
1 / 21
قرأناها على عهد رَسُول الله ﷺ لَا ترغبوا عَن آبائكم فَإِن ذَلِك كفر بكم الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم فَهَذَا مَنْسُوخ الْخط ثَابت الحكم
وَأما مَا نسخ حكمه وَبَقِي خطه فَهُوَ فِي ثَلَاث وَسِتِّينَ سُورَة مثل الصَّلَاة إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَالصِّيَام الأول والصفح عَن الْمُشْركين والإعراض عَن الْجَاهِلين قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم هبة الله
فَأول مَا يبْدَأ بِهِ من ذَلِك تَسْمِيَة السُّور الَّتِي لم يدخلهَا نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ وَهِي ثَلَاث وَأَرْبَعُونَ سُورَة وَالله أعلم أَولهَا أم الْكتاب ثمَّ سُورَة يُوسُف ثمَّ يس ثمَّ الحجرات ثمَّ سُورَة الرَّحْمَن ثمَّ سُورَة الْحَدِيد ثمَّ الصَّفّ ثمَّ الْجُمُعَة ثمَّ التَّحْرِيم ثمَّ الْملك ثمَّ الحاقة ثمَّ نوح
1 / 22
ثمَّ الْجِنّ ثمَّ المرسلات ثمَّ النبأ ثمَّ النازعات ثمَّ الانفطار ثمَّ المطففين ثمَّ الانشقاق ثمَّ البروج ثمَّ الْفجْر ثمَّ الْبَلَد ثمَّ الشَّمْس وَضُحَاهَا ثمَّ وَاللَّيْل ثمَّ وَالضُّحَى ثمَّ ألم نشرح ثمَّ الْقَلَم ثمَّ الْقدر ثمَّ الانفكاك ثمَّ الزلزلة ثمَّ العاديات ثمَّ القارعة ثمَّ التكاثر ثمَّ الْهمزَة ثمَّ الْفِيل ثمَّ قُرَيْش ثمَّ أَرَأَيْت الَّذِي ثمَّ الْكَوْثَر ثمَّ النَّصْر ثمَّ تبت ثمَّ الْإِخْلَاص ثمَّ الفلق ثمَّ النَّاس
فَهَذِهِ ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ سُورَة لم يدخلهَا نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ مِنْهَا سور لَيْسَ فِيهَا أَمر وَلَا نهي وَمِنْهَا سور فِيهَا نهي وَلَيْسَ فِيهَا أَمر وَمِنْهَا سور فِيهَا أَمر وَلَيْسَ فِيهَا نهي وسنذكرها إِن شَاءَ الله فِي موَاضعهَا ﷺ َ - بَاب تَسْمِيَة السُّور الَّتِي دَخلهَا النَّاسِخ وَلم يدخلهَا الْمَنْسُوخ
وَهِي ٢ سِتّ سور أولهنَّ سُورَة الْفَتْح ثمَّ سُورَة الْحَشْر ثمَّ المُنَافِقُونَ ثمَّ التغابن ثمَّ الطَّلَاق ثمَّ سُورَة الْأَعْلَى فَهَذِهِ سِتّ سور دَخلهَا النَّاسِخ وَلم يدخلهَا الْمَنْسُوخ
1 / 23
ﷺ َ - بَاب تَسْمِيَة السُّور الَّتِي دَخلهَا الْمَنْسُوخ وَلم يدخلهَا النَّاسِخ
وَهِي أحدى واربعون سُورَة أَولهَا سُورَة الْأَنْعَام ثمَّ الْأَعْرَاف ثمَّ يُونُس ثمَّ هود ثمَّ الرَّعْد ثمَّ إِبْرَاهِيم ثمَّ الْحجر ثمَّ النَّحْل ثمَّ بني إِسْرَائِيل ثمَّ الْكَهْف ثمَّ طه ثمَّ الْمُؤْمِنُونَ ثمَّ النَّمْل ثمَّ الْقَصَص ثمَّ العنكبوت ثمَّ الرّوم ثمَّ سُورَة لُقْمَان ثمَّ الْمضَاجِع وَهِي ألم السَّجْدَة ثمَّ سُورَة الْمَلَائِكَة ثمَّ وَالصَّافَّات ثمَّ ص ثمَّ الزمر ثمَّ حم السَّجْدَة ثمَّ الزخرف ثمَّ الدُّخان ثمَّ الجاثية ثمَّ الْأَحْقَاف ثمَّ سُورَة مُحَمَّد ﷺ ثمَّ سُورَة الباسقات ثمَّ النَّجْم ثمَّ الْقَمَر ثمَّ سُورَة الامتحان ثمَّ سُورَة ن ثمَّ سُورَة المعارج ثمَّ المدثر ثمَّ الْقِيَامَة ثمَّ الْإِنْسَان ثمَّ
1 / 24
عبس ثمَّ الطارق ثمَّ الغاشية ثمَّ التِّين ثمَّ الْكَافِرُونَ فَهَذِهِ إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سُورَة دَخلهَا الْمَنْسُوخ وَلم يدخلهَا النَّاسِخ ﷺ َ - بَاب تَسْمِيَة السُّور الَّتِي دَخلهَا النَّاسِخ والمنسوخ
وَهِي أَربع وَعِشْرُونَ سُورَة أَولهَا الْبَقَرَة ثمَّ آل عمرَان ثمَّ النِّسَاء ثمَّ الْمَائِدَة ثمَّ الْأَنْفَال ثمَّ التَّوْبَة ثمَّ النَّحْل ثمَّ مَرْيَم ثمَّ الْأَنْبِيَاء ثمَّ الْحَج ثمَّ النُّور ثمَّ الْفرْقَان ثمَّ الشُّعَرَاء ثمَّ الْأَحْزَاب ثمَّ سبأ ثمَّ الْمُؤمن ثمَّ الشورى ثمَّ الذاريات ثمَّ الطّور ثمَّ الواقعه ثمَّ المجادلة ثمَّ المزمل ثمَّ كورت ثمَّ الْعَصْر فَهَذِهِ مئة وَأَرْبع عشرَة سُورَة
1 / 25
ﷺ َ - بَاب فِي اخْتِلَاف الْمُفَسّرين على أَي شَيْء وَقع الْمَنْسُوخ من كَلَام الْعَرَب
قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة بن عمار لَا يدْخل النّسخ إِلَّا على أَمر أَو نهي فَقَط افعلوا أَو لَا تَفعلُوا
وَاحْتَجُّوا على ذَلِك بأَشْيَاء مِنْهَا قَوْلهم إِن خبر الله على مَا هُوَ بِهِ وَقَالَ الضَّحَّاك بن مُزَاحم كَمَا قَالَ الْأَولونَ وَزَاد عَلَيْهِم فَقَالَ يدْخل النّسخ على الْأَمر وَالنَّهْي وعَلى الْأَخْبَار الَّتِي مَعْنَاهَا الْأَمر وَالنَّهْي مثل قَوْله تَعَالَى ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلّا زانِيَةً أَو مَشرِكَةً والزانية لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان أَو مُشْرك﴾ وَمعنى ذَلِك لَا تنحكوا زَانِيَة وَلَا مُشركَة
1 / 26
وعَلى الْأَخْبَار الَّتِي مَعْنَاهَا الْأَمر مثل قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة يُوسُف ﴿قالَ تَزرَعونَ سَبعَ سِنِين دأبا فَمَا حصدتم فذروه فِي سنبله﴾ وَمعنى ذَلِك إزرعوا سبع سِنِين دأبا
وَمثل قَوْله تَعَالَى ﴿فلولا أَن كُنتُم غَيرَ مَدينينَ تَرجِعونَها إِن كُنتُم صَادِقين﴾ وَمعنى ذَلِك ارجعوها يَعْنِي الرّوح
وَمثل قَوْله تَعَالَى ﴿وَلَكِن رَسُول الله﴾ وَمعنى ذَلِك أَي وَلَكِن قُولُوا لَهُ يَا رَسُول الله فَإِذا كَانَ هَذَا معنى الْخَبَر كَانَ كالأمر وَالنَّهْي
وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم وَالسُّديّ قد يدْخل النّسخ على الْأَمر وَالنَّهْي وعَلى جَمِيع الْأَخْبَار وَلم يفصلا وتابعهما على هَذَا القَوْل جمَاعَة وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك من الدِّرَايَة وَإِنَّمَا يعتمدون على الرِّوَايَة
وَقَالَ آخَرُونَ كل جمله اسْتثْنى الله تَعَالَى مِنْهَا ب إِلَّا فَإِن الأستثناء نَاسخ لَهَا
1 / 27
وَقَالَ آخَرُونَ لَا يعد خلافهم خلافًا لَيْسَ فِي الْقُرْآن نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ وَهَؤُلَاء قوم عَن الْحق صدوا وبإفكهم على الله ردوا ﷺ َ - بَاب مَا رد الله على الْمُلْحِدِينَ وَالْمُنَافِقِينَ من أجل معارضتهم فِي تنقل أَحْكَام كِتَابه الْمُبين
قَالَ الله تَعَالَى ﴿مَا نَنسَخ من آيَةٍ أَو نُنسِها نَأتِ بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا﴾
قَالَ الشَّيْخ ابو الْقَاسِم هبة الله
وَهَذِه الْآيَة يحْتَاج مفسرها الى أَن يقدرها قبل تَفْسِيره لَهَا لِأَن فِيهَا مقدما ومؤخرا تَقْدِيره وَالله أعلم مَا نرفع من حكم آيَة نأت بِخَير مِنْهَا أَو ننسها أَي نتركها فَلَا ننسخها
وَقد أعترض فِي هَذَا التَّأْوِيل فَقيل فِي الْقُرْآن مَا بعضه خير من بعض أَلَيْسَ بِكَلَام وَاحِد جلّ قَائِله
فَالْجَوَاب أَن معنى ﴿خير مِنْهَا﴾ أَي أَنْفَع مِنْهَا لِأَن النَّاسِخ لَا يَخْلُو من أحدى النعمتين إِمَّا أَن يكون أثقل فِي الحكم فَيكون أوفر فِي الْأجر وَإِمَّا أَن يكون أخف فِي الحكم فَيكون أيسر فِي الْعَمَل وَمن قَرَأَهَا / ننسأها / أَي نؤخر حكمهَا فَيعْمل بهَا حينا ثمَّ قَالَ تَعَالَى ﴿أَلَم تَعلَم أَنَّ الله على كل شَيْء قدير﴾
1 / 28
من أر النَّاسِخ والمنسوخ وَمثل قَوْله هَذَا قَوْله ﴿وَإِذا بَدَّلنا آيَة مَكانَ آيةٍ وَاللَهُ أَعلَمُ بِما يُنَزِّلُ﴾ وَالْمعْنَى حكم آيَة ﴿قَالُوا إَنَّما أَنْت مفتر﴾ أَي اختلقته من تِلْقَاء نَفسك فَقَالَ تَعَالَى ردا عَلَيْهِم ﴿بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ﴾ لِأَن فِي إِثْبَات النَّاسِخ والمنسوخ فِي الْقُرْآن دلَالَة على الوحدانية وَالله تَعَالَى يَقُول ﴿أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ﴾
وَقد رُوِيَ عَن عبد الله بن عَبَّاس ﵄ أَنه صعد الى الْمَرْوَة فَقَرَأَ ﴿أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمر﴾ وَقَالَ يَا آل غَالب من ادّعى ثَالِثَة فَليقمْ
الْخلق جَمِيع مَا خلق وَالْأَمر جَمِيع مَا قضي وَلَيْسَ فِي كتاب الله تَعَالَى كلمتان تجمعان الْملك كُله غَيرهمَا ﷺ َ - بَاب ذكر مَا جَاءَ من النّسخ فِي الشَّرِيعَة على التوالي
قَالَ الشَّيْخ هبة الله أعلم ان أول النّسخ فِي الشَّرِيعَة أَمر الصَّلَاة ثمَّ الْقبْلَة ثمَّ الصّيام الأول ثمَّ الزَّكَاة ثمَّ الْإِعْرَاض عَن الْمُشْركين ثمَّ الْأَمر بجهادهم ثمَّ
1 / 29
أَعْلَام الله تَعَالَى نبيه ﷺ مَا يَفْعَله بِهِ ثمَّ أمره بِقِتَال الْمُشْركين ثمَّ أمره بِقِتَال أهل الْكتاب ﴿حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون﴾ ثمَّ مَا كَانَ أهل الْعُقُود عَلَيْهِ من الْمَوَارِيث فنسخه بقوله ﴿وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض﴾ ثمَّ هدم منار الْجَاهِلِيَّة وان لَا يخالطوا الْمُسلمين فِي حجهم ثمَّ نسخ الله المعاهدة الَّتِي كَانَت بَينه وَبينهمْ بالأربعة الْأَشْهر بعد يَوْم النَّحْر الَّذِي أرسل فِيهِ النَّبِي ﷺ أَمِير الْمُؤمنِينَ عليا رضى الله عَنهُ بهَا الى الْمَوْسِم وأردفه بِأبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ فَأذن بهَا فِي الْحَج فَهَذَا جملَة التَّرْتِيب
قَالَ الشَّيْخ هبة الله ونزول الْمَنْسُوخ بِمَكَّة كثير ونزول النَّاسِخ بِالْمَدِينَةِ كثير ﷺ َ - بَاب النَّاسِخ والمنسوخ على نظم الْقُرْآن
لَيْسَ فِي أم الْكتاب شَيْء لِأَن أَولهَا ثَنَاء وَآخِرهَا دُعَاء
1 / 30
وسوة الْبَقَرَة
مَدَنِيَّة تحتوي على ثَلَاثِينَ آيَة مَنْسُوخَة
أَولهَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقون﴾ اخْتلف أهل الْعلم فِي ذَلِك فَقَالَ طَائِفَة وهم الْأَكْثَرُونَ هِيَ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وَقَالَ مقَاتل ابْن حَيَّان وَجَمَاعَة هَذَا مَا فضل عَن الزَّكَاة نسخته الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وَقَالَ أَبُو جَعْفَر يزِيد بن الْقَعْقَاع نسخت الزَّكَاة المفروضه كل صَدَقَة فِي الْقُرْآن وَنسخ صِيَام شهر رَمَضَان كل صِيَام فِي الْقُرْآن وَنسخ ذَبِيحَة الْأَضْحَى كل ذبح
الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى ﴿إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا﴾ وَالنَّاس فِي ذَلِك
1 / 31
قائلان فَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم مُجَاهِد وَالضَّحَّاك ابْن مُزَاحم هِيَ محكمَة وقدرونها ويقرؤونها بالمحذوف الْمُقدر فَيكون التَّقْدِير على قَوْلهمَا إِن الَّذين آمنُوا وَمن آمن من الَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ هِيَ مَنْسُوخَة وناسخة عِنْدهم ﴿وَمن يبتغ غير الصائبين الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ﴾
الْآيَة الثَّالِثَة قَوْله تَعَالَى ﴿وَقَولوا لِلَّناسِ حُسنًا﴾ و﴿حُسنًا﴾ فِيهَا قَولَانِ قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب هِيَ محكمَة وَاخْتلفَا بعد مَا أجمعا على إحكامها فَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ ﵁ ﴿وَقُولُوا للنَّاس﴾ أَي قُولُوا لَهُم إِن مُحَمَّدًا رَسُول الله ﷺ وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح وَقُولُوا للنَّاس مَا تحبون أَن يُقَال لكم
1 / 32
وَقَالَ ابْن جريج قلت لعطاء إِن مجلسك هَذَا قد يحضرهُ الْبر والفاجر أفتأمرني أَن أغْلظ على الْفَاجِر فَقَالَ لَا ألم تسمع إِلَى قَول الله تَعَالَى ﴿وَقولوا لِلَّناسِ حُسنًا﴾
وَقَالَ جمَاعَة هِيَ مَنْسُوخَة وناسخها عِنْدهم قَوْله تَعَالَى ﴿فَاقْتُلُوا المُشرِكينَ حَيثُ وَجَدتُموهُم﴾ الْآيَة
الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى ﴿فَاِعفوا وَاِصفَحوا﴾ نسخ مَا فِيهَا من الْعَفو والصفح بقوله تَعَالَى ﴿قاتِلوا الَّذينَ لَا يُؤمِنونَ بِاللَهِ وَلا بِاليَومِ الآخِر﴾ إِلَى قَوْله ﴿وَهُم صاغِرونَ﴾ وَبَاقِي الْآيَة مُحكم
الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى ﴿وَلِلَّهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ﴾ هَذَا مُحكم والمنسوخ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَأَينَما تُوَلّوا فَثَمَّ وَجهُ اللَه﴾ وَذَلِكَ أَن طَائِفَة أرسلهم النَّبِي ﷺ
1 / 33
فِي سفر فعميت عَلَيْهِم الْقبْلَة فصلوا إِلَى غير جِهَتهَا فَلَمَّا تبينوا ذَلِك رجعُوا إِلَى رَسُول الله ﷺ فأخبروه فَنزلت هَذِه الْآيَة ﴿وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب فأينما توَلّوا فثم وَجه الله﴾
وَقَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك وَجَمَاعَة لما قدم رَسُول الله ﷺ الْمَدِينَة صلى نَحْو بَيت الْمُقَدّس سَبْعَة عشر شهرا ثمَّ حول الى الْكَعْبَة وَهَذَا قَول الْأَكْثَرين من أهل التَّارِيخ مِنْهُم معقل بن يسَار والبراء بن عَازِب وَقَالَ قَتَادَة ثَمَانِيَة عشر شهرا وفيهَا رِوَايَة أُخْرَى عَن ابراهيم الْحَرْبِيّ قَالَ فِيهَا ثَلَاثَة عشر شهرا وَقَالَ آخَرُونَ قَالَت الْيَهُود بعد تَحْويل الْقبْلَة لَا يَخْلُو مُحَمَّد من
1 / 34
أَمريْن إِمَّا أَن يكون كَانَ على حق فقد رَجَعَ عَنهُ وَإِمَّا أَن يكون على بَاطِل فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يُقيم عَلَيْهِ فَأنْزل الله تَعَالَى ﴿وَلِلّهِ المَشرِقُ وَالمَغرِب﴾ الْآيَة ثمَّ نسخت بقوله ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره﴾
وَاخْتلف أهل الْعلم فِي أَي صَلَاة وَفِي أَي وَقت فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ حولت القبله فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ النّصْف من رَجَب على رَأس سَبْعَة عشر شهرا من مُقَدّمَة الْمَدِينَة فِي وَقت الظّهْر وَقَالَ قَتَادَة حولت يَوْم الثُّلَاثَاء النّصْف من شعْبَان على راس ثَمَانِيَة عشر شهرا من مُقَدّمَة الْمَدِينَة وَكَانَ النَّبِي ﷺ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة يحول وَجهه ويرنو نَحْو السَّمَاء بطرفه وَيَقُول يَا جِبْرِيل إِلَى مَتى أُصَلِّي الى قبْلَة الْيَهُود فَقَالَ جِبْرِيل إِنَّمَا أَنا عبد مَأْمُور فسل رَبك قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ على ذَلِك إِذْ نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل ﵇ فَقَالَ اقْرَأ يَا مُحَمَّد / قد نرى تقلب ذَلِك وَجهِكَ فِي السَماءِ / تنْتَظر الْأَمر فَحذف هَذَا من الْكَلَام لعلم السَّامع بِهِ وَنزل ﴿فَوَلِّ وَجهَكَ شَطرَ المِسجِدِ الحَرامِ﴾ أَي نَحوه وتلقاءه والشطر فِي
1 / 35
كَلَام الْعَرَب النّصْف وَهَذِه هَهُنَا لُغَة الْأَنْصَار فَصَارَت ناسخة لقَوْله ﴿فَأَينَما تُوَلّوا فَثَمَّ وَجهُ اللَه﴾
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى رَوَاهُ ابراهيم الحرابي قَالَ حولت الْقبْلَة فِي جمادي الْآخِرَة
الْآيَة السَّادِسَة قَوْله تَعَالَى ﴿وَلنَا أَعمالُنا وَلَكُم أَعمالَكُم﴾ نسخ هَذَا بِآيَة السَّيْف على قَول الْجَمَاعَة
الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّ الصَفا وَالمَروَةَ مِن شَعائِرِ اللَه﴾ هَذَا مُحكم والمنسوخ قَوْله ﴿فَمَن حَجَّ البَيتَ أَو اِعتَمَر فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَن يطوف بهما﴾ وَمَعْنَاهَا أَن لَا يَطَّوَفَ بِهِما وَكَانَ على الصَّفَا صنم يُقَال لَهُ إساف وعَلى الْمَرْوَة صنم يُقَال لَهُ نائلة وَكَانَا رجلا وأمرأة فِي
1 / 36