नासिख वा मन्सूख
الناسخ والمنسوخ
अन्वेषक
د. محمد عبد السلام محمد
प्रकाशक
مكتبة الفلاح
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٠٨
प्रकाशक स्थान
الكويت
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] قَالَ «الْمُشْرِكَاتُ مِنْ غَيْرِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ تَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ نَصْرَانِيَّةً أَوْ يَهُودِيَّةً»
قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، جَلَّ وَعَزَّ ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ ﵀ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ عَامَّةً يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ فَتَكُونُ الْمُشْرِكَاتُ هَاهُنَا أَهْلُ الْأَوْثَانِ ⦗١٩٧⦘ وَالْمَجُوسِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَاسِخَةٌ لِلَّتِي فِي الْمَائِدَةِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَوْلُهُ خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَقُومُ بِهِمُ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ بِتَحْلِيلِ نِكَاحِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَحُذَيْفَةُ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَطَاوُوسٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ نَاسِخَةٌ لِلْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَالْمَائِدَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ وَإِنَّمَا الْآخِرُ يَنْسَخُ الْأَوَّلَ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵀ كَانَ رَجُلًا مُتَوَقِّفًا فَلَمَّا سَمِعَ الْآيَتَيْنِ، فِي وَاحِدَةٍ التَّحْلِيلُ وَفِي الْأُخْرَى التَّحْرِيمُ وَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ تَوَقَّفَ وَلَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُ ذِكْرٌ لِلنَّسْخِ وَإِنَّمَا تُؤُوِّلَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يُؤْخَذُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ بِالتَّأْوِيلِ وَأَبْيَنُ مَا فِي الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ إِذَا كَانَتْ عَامَّةً لَمْ تُحْمَلْ عَلَى الْخُصُوصِ إِلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ لَا يُقَالُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ مُشْرِكُونَ وَإِنَّمَا الْمُشْرِكُ مَنْ عَبَدَ وَثَنًا مَعَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَأَشْرَكَ بِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمِمَّنْ يُرْوَى عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ أَبُو حَنِيفَةَ وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] ⦗١٩٨⦘ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَأَنَّ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنْ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: " وَهَذَا قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ نَصًّا تُسَمِّيهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالْمُشْرِكِينَ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣١] فَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ فَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَنْ قِيلَ لَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَمْ يُشْرِكُوا أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ ⦗١٩٩⦘ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمًا إِسْلَامِيًّا وَلِهَذَا نَظَائِرُ قَدْ بَيَّنَهَا مَنْ يُحْسِنُ الْفِقْهَ وَاللُّغَةَ مِنْ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ أَصْلُهُ مِنْ آمَنَ إِذَا صَدَّقَ ثُمَّ صَارَ لَا يُقَالُ مُؤْمِنٌ إِلَّا لِمَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ ثُمَّ تَبِعَ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَمِنَ الْأَسْمَاءِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْمُنَافِقُ وَمِنْهَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْخَمْرُ سُمِّيَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ خَمْرًا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْجَوَابُ الْآخَرُ وَهُوَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ السُّرِّيِّ قَالَ: كُلُّ مَنْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ فَهُوَ مُشْرِكٌ، قَالَ وَهَذَا مِنَ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ جَاءَ مِنَ الْبَرَاهِينِ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِشْرٌ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَإِذَا كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مَا لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا اللَّهُ قَدْ جَاءَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَجَعَلَ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ شَرِيكًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مِنْ لَطِيفِ الْعِلْمِ وَحُسْنِهِ فَأَمَّا نِكَاحُ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَحَرَامٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ، فَإِنَّهُمْ أَجَازُوهُ وَاحْتَجَّ لَهُمْ مُحْتَجٌّ بِشَيْءٍ قَاسَهُ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ [البقرة: ٢٢١] يَدْخُلُ فِيهِ الْأَحْرَارُ وَالْإِمَاءُ وَجَبَ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المائدة: ٥] دَاخِلًا فِيهِ الْحَرَائِرُ وَالْإِمَاءُ لِتَكُونَ النَاسِخَةُ مِثْلَ الْمَنْسُوخَةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ خَطَأٌ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ ⦗٢٠٠⦘، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ مَنْسُوخَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَاتِ وَالتَّمْثِيلَاتِ لَا يُؤْخَذُ بِهَا فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخِ بِالتَّيَقُّنِ وَالتَّوْقِيفِ وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ نَصًّا ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] فَكَيْفَ يُقْبَلُ مِمَّنْ قَالَ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْكَافِرَاتِ؟ وَأَمَّا نِكَاحُ الْحَرْبِيَّاتِ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا مَنَعَا مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ يُجِيزُ ذَلِكَ، وَنَصُّ الْآيَةِ يُوجِبُ جَوَازَهُ ⦗٢٠١⦘، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إِلَّا أَنَّهُمَا كَرِهَا ذَلِكَ مَخَافَةَ تَنْصِيرِ الْوَلَدِ أَوِ الْفِتْنَةِ وَأَمَّا نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ فَالْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهِ
قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، جَلَّ وَعَزَّ ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ ﵀ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ عَامَّةً يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ فَتَكُونُ الْمُشْرِكَاتُ هَاهُنَا أَهْلُ الْأَوْثَانِ ⦗١٩٧⦘ وَالْمَجُوسِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَاسِخَةٌ لِلَّتِي فِي الْمَائِدَةِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَوْلُهُ خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَقُومُ بِهِمُ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ بِتَحْلِيلِ نِكَاحِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَحُذَيْفَةُ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَطَاوُوسٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ نَاسِخَةٌ لِلْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَالْمَائِدَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ وَإِنَّمَا الْآخِرُ يَنْسَخُ الْأَوَّلَ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵀ كَانَ رَجُلًا مُتَوَقِّفًا فَلَمَّا سَمِعَ الْآيَتَيْنِ، فِي وَاحِدَةٍ التَّحْلِيلُ وَفِي الْأُخْرَى التَّحْرِيمُ وَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ تَوَقَّفَ وَلَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُ ذِكْرٌ لِلنَّسْخِ وَإِنَّمَا تُؤُوِّلَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يُؤْخَذُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ بِالتَّأْوِيلِ وَأَبْيَنُ مَا فِي الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ إِذَا كَانَتْ عَامَّةً لَمْ تُحْمَلْ عَلَى الْخُصُوصِ إِلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ لَا يُقَالُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ مُشْرِكُونَ وَإِنَّمَا الْمُشْرِكُ مَنْ عَبَدَ وَثَنًا مَعَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَأَشْرَكَ بِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمِمَّنْ يُرْوَى عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ أَبُو حَنِيفَةَ وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] ⦗١٩٨⦘ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَأَنَّ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنْ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: " وَهَذَا قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ نَصًّا تُسَمِّيهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالْمُشْرِكِينَ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣١] فَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ فَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَنْ قِيلَ لَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَمْ يُشْرِكُوا أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ ⦗١٩٩⦘ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمًا إِسْلَامِيًّا وَلِهَذَا نَظَائِرُ قَدْ بَيَّنَهَا مَنْ يُحْسِنُ الْفِقْهَ وَاللُّغَةَ مِنْ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ أَصْلُهُ مِنْ آمَنَ إِذَا صَدَّقَ ثُمَّ صَارَ لَا يُقَالُ مُؤْمِنٌ إِلَّا لِمَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ ثُمَّ تَبِعَ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَمِنَ الْأَسْمَاءِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْمُنَافِقُ وَمِنْهَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْخَمْرُ سُمِّيَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ خَمْرًا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْجَوَابُ الْآخَرُ وَهُوَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ السُّرِّيِّ قَالَ: كُلُّ مَنْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ فَهُوَ مُشْرِكٌ، قَالَ وَهَذَا مِنَ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ جَاءَ مِنَ الْبَرَاهِينِ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِشْرٌ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَإِذَا كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مَا لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا اللَّهُ قَدْ جَاءَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَجَعَلَ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ شَرِيكًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مِنْ لَطِيفِ الْعِلْمِ وَحُسْنِهِ فَأَمَّا نِكَاحُ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَحَرَامٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ، فَإِنَّهُمْ أَجَازُوهُ وَاحْتَجَّ لَهُمْ مُحْتَجٌّ بِشَيْءٍ قَاسَهُ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ [البقرة: ٢٢١] يَدْخُلُ فِيهِ الْأَحْرَارُ وَالْإِمَاءُ وَجَبَ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المائدة: ٥] دَاخِلًا فِيهِ الْحَرَائِرُ وَالْإِمَاءُ لِتَكُونَ النَاسِخَةُ مِثْلَ الْمَنْسُوخَةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ خَطَأٌ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ ⦗٢٠٠⦘، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ مَنْسُوخَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَاتِ وَالتَّمْثِيلَاتِ لَا يُؤْخَذُ بِهَا فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخِ بِالتَّيَقُّنِ وَالتَّوْقِيفِ وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ نَصًّا ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] فَكَيْفَ يُقْبَلُ مِمَّنْ قَالَ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْكَافِرَاتِ؟ وَأَمَّا نِكَاحُ الْحَرْبِيَّاتِ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا مَنَعَا مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ يُجِيزُ ذَلِكَ، وَنَصُّ الْآيَةِ يُوجِبُ جَوَازَهُ ⦗٢٠١⦘، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إِلَّا أَنَّهُمَا كَرِهَا ذَلِكَ مَخَافَةَ تَنْصِيرِ الْوَلَدِ أَوِ الْفِتْنَةِ وَأَمَّا نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ فَالْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهِ
1 / 196