ومن ذلك ما يذكر عن الإنجيل وفيه، من قول عيس صلى الله عليه: ( إني لم آتكم بخلع التوراة ولا بخلافها، ولم أبعث إليكم لنقض شيء مما جآءت به الرسل من وظائفها، ولكني جئت لذلك كله مثبتا، ولما أماته ذلك كله مميتا، وبحق أقول لكم: إنه لن يبيد الله وصيته حتى تبيد وتنتقض، السماوات والأرض، وقد قيل لكم في التوراة: لا تقتلوا النفس المحرمة، ومن قتلها فإن الله يدخله جهنم المحرقة، وأنا أقول لكم: إن من قال لأخيه شتما يا رغل والأرغل هو الذي لم يختتن فإن له في الآخرة بشتم أخيه نار جهنم ) وهذا فمن زيادة الفرض وتوكيده، ومن رحمة الله للعباد في حكمه وتسديده، وكل ذلك فهدى من الله للعباد ورشد، وكل ذلك فقد يجب به لله على عباده الشكر والحمد.
ومن ذلك قول عيسى صلى الله عليه في التنزيل، لمن بعثه الله إليه من بني إسرائيل: { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } [آل عمران: 50]. وقول الله سبحانه لأهل الكتاب: { النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } [الأعراف: 157].
ومن ذلك وبيانه، قوله سبحانه: { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } [النساء: 160]، فجعل تحريمه عليهم بعض ما حرم بعد الإحلال، من العقاب لهم بظلمهم وعداوتهم والنكال، فهذا ومثله، وما كان مشبها له، فمن زيادة فرضه تأكيدا وتثقيلا، وعقابا به لمن ظلم من عباده وتنكيلا، وليس في شيء من هذا كله، ولا من تخفيف الفرض فيه ولا من تثقيله، تناقض بحمد الله، في حكم من أحكام الله، ولا بداء ولا تعقيب ولا اختلاف، عند من له بحكمه وفضله اعتراف .
पृष्ठ 42