K. F. Gauss (1777-1855م). وسميت الهندسات التي وضعت على هذا النحو باسم الهندسات اللاإقليدية. وفيما بعد وضع الرياضي الألماني ب. ريمان
B. Riemann (1826-1866م) نوعا أعم من الهندسة اللاإقليدية، يشمل نسقا لا توجد فيها خطوط متوازية على الإطلاق.
والهندسة اللاإقليدية تناقض الهندسة الإقليدية. مثال ذلك أن مجموع زوايا المثلث، في الهندسة اللاإقليدية، يختلف عن 180 درجة. ومع ذلك فكل هندسة لا إقليدية لا تنطوي على تناقض داخلي، وإنما هي نظام متسق بنفس المعنى الذي تكون به هندسة إقليدس متسقة. وهكذا تحل كثرة من الهندسات محل النسق الإقليدي الواحد. وصحيح أن الهندسة الإقليدية تتميز عن الأخريات جميعا بأن من السهل تصورها بصريا، على حين يكاد يبدو من المستحيل أن نتخيل بالبصر هندسة يكون فيها أكثر من مواز واحد لمستقيم معين من نقطة بالتصور البصري، ونظروا إلى مختلف النسق الرياضية على أنها متساوية في صحتها الرياضية. وتمشيا مع هذه النظرة المنزهة إلى حد ما، التي يتأمل بها الرياضي هذا الموضوع، فسوف أرجئ مناقشة موضوع التصور البصري حتى الانتهاء من مناقشة بعض المشكلات الأخرى.
كان وجود كثرة من الهندسات يقتضي نظرة جديدة إلى مشكلة هندسة العالم الفيزيائي. فطالما كانت هناك هندسة واحدة فقط، هي الهندسة الإقليدية، لم تكن هناك مشكلة متعلقة بهندسة المكان الفيزيائي؛ فقد كان من الطبيعي أن تعد هندسة إقليدس منطبقة على الواقع الفيزيائي؛ لعدم وجود هندسة أخرى. ولقد كان الفضل يرجع إلى «كانت» في أنه أكد، أكثر من غيره، أن تطابق الهندسة الرياضية والهندسة الفيزيائية يحتاج إلى تفسير، وينبغي أن تعد نظريته في المعرفة التركيبية القبلية محاولة عظيمة من فيلسوف لتعليل هذا التطابق، غير أن الموقف تغير تماما باكتشاف كثرة من الهندسات. فعندما يصبح للرياضي الخيار بين هندسات كثيرة، تثار مشكلة: أي هذه الهندسات هي هندسة العالم الفيزيائي؟ وكان من الواضح أن العقل لا يستطيع الإجابة عن هذا السؤال، وإن هذه الإجابة متروكة للملاحظة التجريبية.
ولقد كان أول من لفت الأنظار إلى ذلك هو «جاوس»؛ فبعد كشفه للهندسة اللاإقليدية حاول القيام باختيار تجريبي يتأكد بواسطته من هندسة العالم الفيزيائي. وقد قاس جاوس لهذا الغرض زوايا مثلث حدد أركانه بقمم ثلاثة جبال، وصاغ نتيجة قياساته في عبارة دقيقة، فقال: إن المبدأ الإقليدي صحيح في حدود الأخطاء المحتملة للملاحظة؛ أي إنه إذا كان هناك انحراف لمجموع الزوايا عن 180 درجة، فإن الأخطاء الحتمية للملاحظة تجعل من المستحيل إثبات وجوده؛ فإذا كان العالم لا إقليديا، فإنه خاضع لنوع من الهندسة اللاإقليدية يبلغ اختلافه عن الهندسة الإقليدية حدا من الضآلة يستحيل معه التمييز بين الاثنين.
غير أن قياس جاوس يحتاج إلى بعض المناقشة؛ فمشكلة هندسة العالم الفيزيائي أعقد مما افترض جاوس، ولا يمكن حلها بمثل هذه البساطة.
فلنفترض مؤقتا أن نتيجة جاوس كانت إيجابية، وأن مجموع زوايا المثلث الذي قاسه كان مختلفا عن 180 درجة، فهل يترتب على ذلك أن هندسة العالم لا إقليدية؟
إن ثمة سبيلا إلى تجنب هذه النتيجة؛ فقياس الزوايا الواقعة بين أشياء بعيدة يتم عن طريق رؤية الأشياء من خلال عدسات مثبتة في آلة السدس أو أداة مشابهة. وهكذا فإن الأشعة الضوئية التي تمر من الأشياء إلى الأداة البصرية تستخدم على أساس أنها هي التي تحدد أضلاع المثلث، فكيف نعرف أن الأشعة الضوئية تتحرك في خطوط مستقيمة؟ إن من الممكن القول إنها لا تفعل ذلك، وإن مسارها منحن، وإن قياس «جاوس» لم يكن يتعلق بمثلث أضلاعه خطوط مستقيمة؛ وعلى أساس هذا الافتراض لا يكون القياس قاطعا.
فهل هناك وسيلة لاختبار هذا الافتراض الجديد؟ إن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين؛ فإذا كان مسار الشعاع الضوئي منحنيا، فلا بد أن يكون من الممكن ربط نقطة البداية بنقطة النهاية بواسطة خط آخر، يكون أقصر من مسار شعاع الضوء. مثل هذا القياس يمكن القيام به، من حيث المبدأ على الأقل، بواسطة قضبان قياسية ؛ ففي هذه الحالة توضع القضبان على طول مسار الشعاع الضوئي، ثم توضع على طول خطوط اتصال أخرى. فإذا كان هناك خط اتصال أقصر، لأمكن الاهتداء إليه بتكرار المحاولات.
فلنفرض أننا قمنا بهذا الاختبار وكانت نتيجته سلبية؛ أي إننا وجدنا أن مسار الشعاع الضوئي هو أقصر ارتباط بين النقطتين، فهل تؤدي هذه النتيجة، مقترنة بالقياس السابق لزوايا المثلث، إلى إثبات أن الهندسة إقليدية؟
अज्ञात पृष्ठ