تلك المرأة الحنون كانت خالدة أديب، أتت سوريا ولبنان، وزارت أولاد الشهداء، ومن هناك توجهت إلى المنزل العسكري في دمشق وفتحت أبوابه بما لها من النفوذ، فأخرجت من مستودعاته إلى هؤلاء الأولاد جبالا من الأطعمة والأقمشة، محولة حياتهم بدقيقة واحدة من جحيم إلى نعيم.
كانت خالدة أديب تنتمي إلى الأمة التي حكمت بإبادة الأرمن، ولكنها كانت تنتمي بروحها إلى ذلك الجوهر الأسمى الذي أجرى في قلب كل نساء الأرض ينابيع الحنان والحب.
أذكر أن أيتام عينطورة كانوا يوم سفر خالدة يعولون ويبكون وقد تعلقوا بها كما يتعلق الولد بأمه، وأذكر خاطرة مرت ببالي أوانئذ، وهي أن دين المحبة هو فوق كل الأديان، وأن الرفق يصرع كل عداوة جنسية. •••
لنكن ما نشاء أيها الناس؛ لننتمي إلى حمورابي أو إلى فرعون أو إلى التتر، ولكن لنكن بشرا.
ويا أمهات هذا الوطن الطيبات الحنونات، يوجد كثير من الأطفال ينامون في هذا الشتاء تحت الخيام، هؤلاء الصغار يقبلون بشكر السترة القديمة، والثوب القديم، والقليل القليل من الحب والحنان.
2
نحن الآن في نصف الليل، والأجراس النحاسية في الكنائس القريبة تتجاوب أصداء أصواتها المتسارعات، المحمسات، منادية الناس إلى الاجتماع مرة أخرى لذكرى ميلاد الإله الثائر الذي خط للناس مبادئ الثورة الإلهية، تلك الثورة لا تخاصم ولا تصيح ولا تسمع أحدا في الشوارع صوتها، تلك لا تقتل ولا تستبيح، بل بدون فوضوية أو بلشفية تقيم الحق على الأرض معطية ما لله إلى الله، وما للناس إلى الناس.
غدا عيد الغربيين، وأنا من الطائفة الشرقية، وحقي أن أكون غريبة عن العيد، ولكن أجراس التهليل هذه توقظ الشعور في نفسي، ونفسي منذ وجدت تبكي الجائعين والمتروكين والمحرومين.
الأجراس تهلل في الأبراج المرتفعة والناس يخرجون على صوتها من المراقص مئات وألوفا.
وهنالك ألوف غيرهم تمر الآن أمام مخيلتي، هي الألوف اللاجئة إلى الزوايا وتحت قباب الكنائس تنتظر رحمة الله وحنان الناس.
अज्ञात पृष्ठ