مقدمة ... النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح تأليف الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي، المتوفى سنة ٧٦١هـ تحقيق وتعليق: الدكتور عبد الرحيم محمد أحمد القشقري الأستاذ المساعد بكلية الحديث والدراسات الإسلامية بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وبعد: فإن الله ﷾ حينما تكفل بحفظ كتابه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ تكفل أيضًا بحفظ سنة نبيه بأن خلق لها رجالًا يذبون عنها، ويكشفون زيف الزائفين. وذلك بتدوينها في الدواوين سواء كانت تلك الدواوين على حسب المسانيد كمسند الطيالسي وأحمد بن حنبل وابن راهوية أو على الأبواب كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن. وقد اتبع كل إمام منهج في التأليف، فمنهم من اشترط الصحة في أحاديثه كما فعل الإمام البخاري ومسلم دون أن يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة، لأن في ذلك مشقة وعناء، بل اختارا ما أجمع العلماء على صحته، وتركا من الصحاح مخافة الطول. ومنهم من لم يشترط الصحة، بل أورد كل ما عنّ له وحكم على ما رأى أنه لازم، كما صنع الترمذي وأبو داود وأن ما سكت عنه صالح، بل وفيها بعض الأحاديث الضعيفة. وقد أراد البغوي – ﵀ – أن يجمع كتابًا شاملًا لنوعي

1 / 5

الصحيح والحسن، فما كان في الصحيحين فهو صحيح، وما كان في السنن فهو حسن، وإن كان هناك ضعيف أو غريب، أشار إليه، وإن كان منكرًا أو موضوعًا، أعرض عنه. وقد جاء العلماء بعده فوضعوا كلام البغوي في ميزان النقد العلمي، فخرجوا بما يلي: ١- أنه لم يميز بين النوعين – الصحيح والحسن- وكأنه سكت عن البيان لاشتراكهما في الاحتجاج به لا في القوة. ٢- ردوا قوله بأن الحسان ما في السنن لأن فيها غيره من الصحيح والضعيف الذي يجبر، لا سيما عند أبي داود لأن الضعيف عنده أحب إليه من رأي الرجال، وقد يقال عن صنيع البغوي بأنه اصطلاح له، ولا مشاحة في الإصطلاح إلا أنه قول ضعيف، لأن الواقع يرده. فالإصطلاح يكون حينئذ مردودًا وقد اهتم الأئمة الذين جاؤوا بعده بكتاب المصابيح شرحًا وتخريجًا لأحاديثه فشرحه البيضاوي وسماه تحفة الأبرار وقاسم بن قطلوبغا، والتور بشتى وغيرهم. وخرّج أحاديثه جملة من العلماء منهم: الإمام المناوي في كتابه كشف المناهيج. ومن العلماء من أكمله وهذبه وزاد عليه. ذكر ذلك حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون عند الكلام على كتاب المصابيح ٢/١٦٩٨. وكان للعلائي دور في خدمة هذا الكتاب الجليل حيث دافع عنه وعن الأحاديث التي رميت بالوضع، وهي ليست موضوعة كما أشار إليها في كتابه. وقد كان بعمله هذا ممن أسدى خدمة جليلة

1 / 6

لمحبي هذا الكتاب، لا سيما طلاب العلم في الباكستان والهند والتركستان، حيث اعتمادهم يكاد يكون كليًا على هذا الكتاب. وفي الختام أود أن أترك القارئ يجول مع العلائي في كتابه ليرى مدى تمكنه من علم الحديث. فهذا الكتاب غيض من فيض بالنظر إلى ما ألّف من مؤلفات في فنون شتى. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. المحقق تحريرًا في ٤/١٢/١٤٠٤هـ

1 / 7

ترجمة العلائي هو الشيخ صلاح الدين العلائي الحافظ المفيد. المحدث الفقيه الأصولي الأديب، خليل بن كيكلدي بن عبد الله الدمشقي الشافعي. ولد في أحد الربيعين سنة أربع وتسعين وستمائة بدمشق. بدأ العلم صغيرًا حيث ورد أنه سمع صحيح الإمام مسلم سنة ثلاث وسبعمائة على الشيخ شرف الدين الفزاري، وسمع البخاري على ابن مشرف سنة أربع وسبعمائة، وفيها ابتدأ بقراءة العربية وغيرها على الشيخ نجم الدين القحفازي، والفقه والفرائض على الشيخ زكي الدين زكوي. ثم جد في طلب الحديث سنة عشر وسبعمائة وقرأ بنفسه على القاضي سليمان الحنبلي وأبي بكر بن عبد الدائم، وعيسى المطعم ومن بعدهم حتى بلغ شيوخه بالسماع نحو سبعمائة شيخ، ومن مسموعاته الكتب الستة وغالب دواوين الحديث١. _________ ١ الدراس ١/٦٠.

1 / 9

أقوال النقاد فيه: قال السبكي: كان حافظًا ثقة ثبتًا عارفًا بأسماء الرجال والعلل والمتون١. وقال ابن كثير: كانت له يد طولى بمعرفة العالي والنازل، وتخريج الأجزاء والفوائد، وله مشاركة قوية في الفقه واللغة، والعربية والأدب٢. ولو انتقلنا إلى رحلاته فمصنفنا كان من أولئك الذين ارتحلوا للسماع والأخذ عن الشيوخ، وقد ذكر من ترجم له أنه حج مرارًا، واستقر به المقام في مدينة القدس مدرسًا للحديث في التنكزية. إلى جانب الفتوى والتصنيف، حتى وافاه الأجل المحتوم في المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة، ودفن بمقبرة باب الرحمة إلى جانب سور المسجد٣. مؤلفاته: لقد خلف الإمام العلائي مجموعة كبيرة من المؤلفات العلمية التي كان لها الأثر الكبير في إثراء المكتبة الإسلامية، وكانت جل تلك المصنفات في علم الحديث والرجال وعلوم الفقه وأصوله، وكانت لمؤلفاته صدى واسعًا بين العلماء لا سيما في عصره. فمن مؤلفاته التي خلفها لنا بعد وفاته ما يلي: ١- إتمام الفوائد الموصولة في الأدوات الموصولة٤. _________ ١ طبقات الشافعية ١٠/٣٦. ٢ البداية والنهاية ١٤/٢٦٧. ٣ الأنس الجليل ٢/١٠٧. ٤ ذكره د. عمر حسن في مقدمة المراسيل ١/١٣.

1 / 10