فأما ما احتج به الجاحظ بإمامة أبى بكر بكونه أول الناس إسلاما فلو كان هذا احتجاجا صحيحا لأحتج به أبو بكر يوم السقيفة. وما رأيناه صنع ذلك. لأنه أخذ بيد عمر ويد أبى عبيدة بن الجراح وقال للناس: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما من شئتم. ولو كان هذا احتجاجا صحيحا لما قال عمر: كانت بيعة أبى بكر فلتة وقى الله شرها! ولو كان احتجاجا صحيحا لادعى واحد من الناس لأبي بكر الإمامة في عصره أو بعد عصره بكونه سبق إلى الاسلام. وما عرفنا أحدا ادعى له ذلك. على أن جمهور المحدثين لم يذكروا أن أبا بكر أسلم إلا بعد عدة من الرجال، منهم علي بن أبي طالب، وجعفر أخوه، وزيد بن حارثة، وأبو ذر الغفاري، وعمرو بن عبسة (1) السلمي، وخالد بن سعيد بن العاص. وخباب بن الأرت. وإذا تأملنا الروايات الصحيحة والأسانيد القوية الوثيقة وجدناها كلها ناطقة بأن عليا عليه السلام أول من أسلم. فأما الرواية عن ابن عباس أن أبا بكر أولهم إسلاما فقد روى عن ابن عباس خلاف ذلك بأكثر مما رووا وأشهر.
فمن ذلك ما رواه يحيى بن حماد عن أبي عوانة وسعيد بن عيسى عن أبي داود الطيالسي، عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس أنه قال: أول من صلى من الرجال علي عليه السلام.
وروى الحسن البصري قال: حدثنا عيسى بن راشد عن أبي بصير عن عكرمة عن ابن عباس قال: فرض الله تعالى الاستغفار لعلى عليه السلام في القرآن على كل مسلم بقوله تعالى: " ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ". فكل من أسلم بعد على فهو يستغفر لعلى عليه السلام.
وروى سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: " السباق ثلاثة: سبق يوشع بن نون إلى موسى، وسبق صاحب يس إلى عيسى، وسبق علي عليه السلام بن أبي طالب إلى محمد عليه وعليهم السلام. فهذا قول ابن عباس في سبق عليه السلام إلى الاسلام. وهو أثبت من حديث الشعبي وأشهر. على أنه قد روى عن الشعبي خلاف ذلك من حديث أبي بكر الهذلي وداود بن أبي هند عن الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام: " هذا أول من آمن بي وصدقني وصلى معي ".
पृष्ठ 287