249

ينقل إلى ذاك. وذاك يخبز لهذا - وهذا يخيط للآخر - والآخر يتخذ الإبرة لهذا حتى إذا اجتمعوا كان أمرهم مكفيا - ولهذا ما اضطروا إلى عقد المدن والاجتماعات. فمن كان منهم غير محتاط في عقد مدينته على شرائط المدينة وقد وقع منه ومن شركائه الاقتصار على اجتماع فقط فإنه يتحصل على جنس بعيد الشبه من الناس عادم لكمالات الناس ومع ذلك فلا بد لأمثاله من اجتماع ومتن تشبه بالمدنيين وإذا كان هذا ظاهرا فلا بد في وجود الإنسان وبقائه من مشاركة ولا تتم المشاركة إلا بمعاملة كما لا بد في ذلك من سائر الأسباب التي تكون له - ولا بد في المعاملة من سنة وعدل. ولا بد للسنة والعدل من سان ومعدل ولا بد أن يكون هذا بحيث يجوز أن يخاطب الناس ويلزمهم السنة ولا بد من أن يكون هذا إنسانا. ولا يجوز أن يترك الناس وآراءهم في ذلك فيختلفون ويرى كل منهم ما له عدلا وما عليه ظلما فالحاجة إلى هذا الإنسان في أن يبقى نوع الناس ويتحصل وجوده أشد من الحاجة إلى إنبات الشعر على الأشفار وعلى الحاجبين وتقعير الأخمص من القدمين وأشياء أخرى من المنافع التي لا ضرورة إليها في البقاء بل أكثر ما لها أنها تنفع في البقاء ووجود الإنسان الصالح لأن يسن ويعدل ممكن كما سلف منا ذكره. فلا يجوز أن تكون العناية الأولى تقتضي تلك المنافع ولا تقتضي هذه التي هي أسها ولا أن يكون المبدأ الأول والملائكة تعلم ذلك ولا تعلم هذا. ولا أن يكون ما يعلمه في نظام الأمر الممكن وجوده الضروري حصوله لتمهيد نظام الخير لا يوجد بل كيف يجوز أن لا يوجد وما هو متعلق بوجوده ومبني على وجوده موجود فواجب إذا أن يوجد نبي وواجب أن يكون إنسانا وواجب أن يكون له خصوصية ليست لسائر الناس حتى يستشعر الناس فيه أمرا لا يوجد لهم فيتميز به عنهم. فتكون له المعجزات التي أخبرنا بها فهذا الإنسان إذا وجد وجب أن يسن للناس في أمورهم سننا بأمر الله تعالى وإذنه ووحيه وإنزاله الروح القدس عليه فيكون الأصل فيما يسنه تعريفه إياهم أن لهم صانعا واحدا قادرا وأنه عالم بالسر والعلانية وأن من حقه أن يطاع أمره. وأنه يجب أن يكون الأمر لمن له الخلق. وأنه قد أعد لمن أطاعه المعاد المسعد ولمن عصاه المعاد المشقي حتى يتلقى الجمهور رسمه المنزل على لسانه من الإله والملائكة بالسمع والطاعة. ولا ينبغي له أن يشغلهم بشيء من معرفة الله تعالى فوق معرفة أنه واحد حق لا شبيه له. فأما أن يتعدى بهم إلى تكليفهم أن يصدقوا بوجوده وهو غير مشار إليه في مكان فلا ينقسم بالقول ولا هو خارج العالم ولا داخله ولا شيء من هذا الجنس فقد عظم عليهم الشغل وشوش ما بين

पृष्ठ 249