214

فصل في أن حركة السماء مع أنها نفسانية كيف يقال إنها طبيعية

إلا أنها قد تكون بالطبع أي ليس وجودها في جسمها مخالفا لمقتضى طبيعة أخرى لجسمها فإن الشيء المحرك لها وإن لم يكن قوة طبيعية كان سببا طبيعيا لذلك الجسم غير غريب عنه وكأنه طبيعة وأيضا فإن كل قوة طبيعية فإنما تحرك بتوسط الميل والميل هو المعنى الذي يجس في الجسم المتحرك وإن سكن قسرا أحس ذلك الميل كأنه يد يقاوم المسكن مع سكونه طلبا للحركة فهو غير الحركة لا محالة وغير القوة المحركة لأن القوة المحركة تكون موجودة عند إتمامها الحركة ولا يكون الميل موجودا فهكذا أيضا الحركة الأولى لأن محركها لا يزال يحدث في جسمها ميلا بعد ميل وذلك الميل لا يمتنع أن يسمى طبيعة لأنه ليس نفس ولا من خارج ولا له إرادة أو اختيار ولا يمكنه أن لا يحرك أو يحرك إلى غير جهة محدودة ولا هو مع ذلك بمضاد لمقتضى طبيعة ذلك الجسم القريب فإن سميت هذا المعنى طبيعة كان لك أن تقول إن الفلك متحرك بالطبيعة إلا أن طبيعته فيض عن نفس يتجدد بحسب تصور النفس فقد بان أن الفلك ليس مبدأ حركته طبيعة وكان قد بان أنه ليس قسرا فهي عن إرادة لا محالة ونقول إنه لا يجوز أن يكون مبدأ حركته القريب قوة عقلية صرفة لا تتغير ولا تتخيل الجزئيات البتة وكأنا قد أشرنا إلى جمل مما يعين في معرفة هذا المعنى في الفصول المتقدمة إذ أوضحنا أن الحركة معنى متجدد السبب وكل شطر منه مخصص بسبب فإنه لا ثبات له ولا يجوز أن يكون عن معنى ثابت البتة وحده فإن كان عن معنى ثابت فيجب أن يلحقه ضرب من تبدل الأحوال - أما إن كانت الحركة عن طبيعة فيجب أن يلحقه ضرب من تبدل الأحوال - أما إن كانت الحركة عن طبيعة فيجب أن يكون كل حركة تتجدد فيه فلتجدد قرب وبعد من النهاية المطلوبة وكل حركة ونسبة له تعدم وكل جزء له نسبة تعدم فلعدم بعد وقرب من النهاية ولولا ذلك التجدد لم يمكن تجدد حركة فإن الثابت من جهة ما هو ثابت لا يكون عنه إلا ثابت - وأما إن كان إرادة فيجب أن يكون عن إرادة متجددة جزئية فإن الارادة الكلية نسبتها إلى كل شطر من الحركة نسبة واحدة فلا يجب أن تتعين منها هذه الحركة دون هذه فإنها إن كانت لذاتها علة لهذه الحركة لم يجز أن تبطل هذه الحركة وإن كانت علة لهذه الحركة بسبب حركة قبلها أو بعدها معدومة كان المعدوم موجبا لموجود والمعدوم لا يكون موجبا لموجود وإن كان قد يكون الاعدام علة للاعدام فإما أن يوجب المعدوم شيئا فهذا لا يمكن وإن

पृष्ठ 214