193

فصل في اثبات واجب الوجود

لا شك أن هنا وجودا وكل وجود فإما واجب وإما ممكن فإن كان واجبا فقد صح وجود الواجب وهو المطلوب وإن كان ممكنا فإنا نوضح أن الممكن ينتهي وجوده إلى واجب الوجود وقبل ذلك فإنا نقدم مقدمات فمن ذلك أنه لا يمكن أن يكون في زمان واحد لكل ممكن الذات علل ممكنة الذات بلا نهاية وذلك لأن جميعها إما أن يكون موجودا معا وإما أن لا يكون موجودا معا فإن لم يكن موجودا معا غير المتناهي في زمان واحد ولكن واحد قبل الآخر فلنؤخر الكلام في هذا وأما أن يكون موجودا معا ولا واجب وجود فيه فلا يخلو إما أن تكون الجملة بما هي تلك الجملة سواء كانت متناهية أو غير متناهية واجبة الوجود بذاتها أو ممكنة الوجود فإن كانت واجبة الوجود بذاتها وكل واحد منها ممكن يكون الواجب الوجود متقوما بممكنات الوجود هذا خلف وإن كانت ممكنة الوجود بذاتها فالجملة محتاجة في الوجود إلى مفيد الوجود فإما أن يكون خارجا منها أو داخلا فيها فإن كان داخلا فيها فإما أن يكون واحدا منها واجب الوجود وكان كل واحد منهما ممكن الوجود هذا خلف - وإما أن يكون ممكن الوجود فيكون هو علة لوجود الجملة وعلة الجملة علة أولا لوجود أجزائها ومنها هو فهو علة لوجود نفسه وهذا مع استحالته إن صح فهو من وجه ما نفس المطلوب فإن كل شيء يكون كافيا في أن يوجد ذاته فهو واجب الوجود وكان ليس واجب الوجود هذا خلف فبقي أن يكون خارجا عنها ولا يمكن أن يكون علة ممكنة فإنا جمعنا كل علة ممكنة الوجود في هذه الجملة فهي إذا خارجة عنها وواجبة الوجود بذاتها فقد انتهت الممكنات إلى علة واجبة الوجود فليس لكل ممكن علة ممكنة بلا نهاية.

فصل في أنه لا يمكن أن يكون الممكنات في الوجود بعضها علة لبعض

ونقول أيضا إنه لا يجوز أن يكون للعلل عدد متناه وكل واحد منه ممكن الوجود في نفسه لكنه واجب بالآخر إلى أن ينتهي إليه دورا ولنقدم مقدمة أخرى فنقول إن وضع عدد متناه من ممكنات الوجود بعضها لبعض علل في الدور فهو أيضا محال وتبين بمثل بيان المسألة الأولى ويخصها أن كل واحد منها يكون علة لوجود نفسه ومعلولا لوجود نفسه ويكون حاصل الوجود عن شيء إنما يحصل بعد حصوله بالذات وما توقف وجوده على وجود ما لا يوجد إلا بعد وجوده البعدية الذاتية فهو محال الوجود وليس حال المتضايفين هكذا فإنهما معا في الوجود وليس

पृष्ठ 193